إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
باب النذر

368 - الحديث الأول : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال { قلت : يا رسول الله ، إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة - وفي رواية : يوما - في المسجد الحرام ؟ قال : فأوف بنذرك . }


فيه دليل على الوفاء بالنذر المطلق ، والنذور ثلاثة أقسام :

أحدها : ما علق على وجود نعمة ، أو دفع نقمة فوجد ذلك فيلزم الوفاء به .

والثاني : ما علق على شيء لقصد المنع أو الحث كقوله : إن دخلت الدار فلله علي كذا . وقد اختلفوا فيه . وللشافعي قول : أنه مخير بين الوفاء بما نذر ، وبين كفارة يمين وهذا الذي يسمى " نذر اللجاج والغضب " .

والثالث : ما ينذر من الطاعة من غير تعليق بشيء كقوله " لله علي كذا " فالمشهور : وجوب الوفاء بذلك وهذا الذي أردناه بقولنا " النذر المطلق " وأما ما لم يذكر مخرجه ، كقوله " لله علي نذر " هذا هو الذي يقول مالك : إنه يلزم فيه كفارة يمين .

وفيه دليل على أن الاعتكاف قربة تلزم بالنذر . وقد تصرف الفقهاء الشافعية فيما يلزم بالنذر من العبادات . وليس كل ما هو عبادة مثاب عليه لازما بالنذر عندهم ، فتكون فائدة هذا الحديث من هذا الوجه : أن الاعتكاف من القسم الذي يلزم بالنذر .

وفيه دليل عند بعضهم : على أن الصوم لا يشترط في الاعتكاف لقوله " ليلة " وهذا مذهب الشافعي . ومذهب أبي حنيفة ومالك : اشتراط الصوم وقد أول قوله " ليلة " على اليوم فإن العرب تعبر بالليلة عن اليوم ولا سيما وقد ورد [ ص: 650 ] في بعض الروايات " يوما " .

واستدل به على أن نذر الكافر صحيح وهو قول في مذهب الشافعي والمشهور : أنه لا يصح ; لأن الكافر ليس من أهل التزام القربة ، ويحتاج - على هذا - إلى تأويل الحديث ، ولعله أن يقال : إنه أمره بأن يأتي بعبادة تماثل ما التزم في الصورة ، وهو اعتكاف يوم فأطلق عليها وفاء بالنذر ، لمشابهتها إياه ، ولأن المقصود قد حصل وهو الإتيان بهذه العبادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية