إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

صفحة جزء
372 - الحديث الخامس : { عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال قلت : يا رسول الله ، إن من توبتي : أن أنخلع من مالي ، صدقة إلى الله وإلى رسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك } .


فيه دليل على أن إمساك ما يحتاج إليه من المال أولى من إخراج كله في الصدقة . وقد قسموا ذلك بحسب أخلاق الإنسان ، فإن كان لا يصبر على الإضاقة كره له أن يتصدق بكل ماله ، وإن كان ممن يصبر : لم يكره . وفيه دليل على أن الصدقة لها أثر في محو الذنوب ، ولأجل هذا شرعت الكفارات المالية . وفيها مصلحتان ، كل واحدة منهما تصلح للمحو إحداهما : الثواب الحاصل بسببها وقد تحصل به الموازنة ، فتمحو أثر الذنب . والثانية : دعاء من يتصدق عليه فقد يكون سببا لمحو الذنوب

وقد ورد في بعض الروايات { يكفيك من ذلك الثلث } . [ ص: 653 ]

واستدل بعض المالكية على أن من نذر التصدق بكل ماله : اكتفى منه بالثلث . وهو ضعيف ; لأن اللفظ الذي أتى به كعب بن مالك ليس بتنجيز صدقة ، حتى يقع في محل الخلاف وإنما هو لفظ عن نية قصد فعل متعلقها ولم يقع بعد ، فأشار عليه السلام بأن لا يفعل ذلك ، وأن يمسك بعض ماله وذلك قبل إيقاع ما عزم عليه هذا ظاهر اللفظ أو هو محتمل له ، وكيفما كان : فتضعف منه الدلالة على مسألة الخلاف ، وهو تنجيز الصدقة بكل المال نذرا مطلقا ، أو معلقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية