1. الرئيسية
  2. جامع العلوم والحكم
  3. الحديث الخامس والأربعون إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام
صفحة جزء
[ ص: 445 ] الحديث الخامس والأربعون . عن جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو بمكة يقول : إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل : يا رسول الله ، أرأيت شحوم الميتة ، فإنه يطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ قال : لا ، هو حرام ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : قاتل الله اليهود ، إن الله حرم عليهم الشحوم ، فأجملوه ، ثم باعوه ، فأكلوا ثمنه خرجه البخاري ومسلم .
[ ص: 446 ] هذا الحديث خرجاه في " الصحيحين " من حديث يزيد بن أبي حبيب ، عن عطاء ، عن جابر . وفي رواية لمسلم أن يزيد قال : كتب إلي عطاء ، فذكره ، ولهذا قال أبو حاتم الرازي : لا أعلم يزيد بن أبي حبيب سمع من عطاء شيئا ، يعني أنه إنما يروي عنه كتابه ، وقد رواه أيضا يزيد بن أبي حبيب ، عن عمرو بن الوليد بن عبدة ، عن عبد الله بن عمر وعن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . وفي " الصحيحين " عن ابن عباس قال : بلغ عمر أن رجلا باع خمرا ، فقال : قاتله الله ، ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قاتل الله اليهود ، حرمت عليهم الشحوم ، فجملوها فباعوها ، وفي رواية : وأكلوا أثمانها . وخرجه أبو داود من حديث عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ، وزاد فيه : وإن الله إذا حرم أكل شيء ، حرم عليهم ثمنه ، وخرجه ابن أبي شيبة ، ولفظه : إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه . وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قاتل الله يهودا ، حرمت عليهم الشحوم ، فباعوها وأكلوا ثمنها . وفي " الصحيحين " عن عائشة ، قالت : لما أنزلت الآيات من آخر سورة البقرة ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاقترأهن على الناس ، ثم نهى عن التجارة في الخمر ، وفي رواية لمسلم : لما نزلت الآيات من آخر سورة البقرة في الربا ، خرج [ ص: 447 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، فحرم التجارة في الخمر . وخرج مسلم من حديث أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله حرم الخمر ، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء ، فلا يشرب ولا يبع . فاستقبل الناس بما كان عندهم منها في طريق المدينة ، فسفكوها . وخرجه أيضا من حديث ابن عباس أن رجلا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل علمت أن الله قد حرمها ؟ قال : لا ، قال : فسار إنسانا ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بم ساررته ؟ قال : أمرته ببيعها ، قال : إن الذي حرم شربها حرم بيعها ، قال : ففتح المزاد حتى ذهب ما فيها . فالحاصل من هذه الأحاديث كلها أن ما حرم الله الانتفاع به ، فإنه يحرم بيعه وأكل ثمنه ، كما جاء مصرحا به في الرواية المتقدمة : إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ، وهذه كلمة عامة جامعة تطرد في كل ما كان المقصود من الانتفاع به حراما ، وهو قسمان : أحدهما : ما كان الانتفاع به حاصلا مع بقاء عينه ، كالأصنام ، فإن منفعتها المقصودة منها الشرك بالله ، وهو أعظم المعاصي على الإطلاق ، ويلتحق بذلك ما كانت منفعته محرمة ، ككتب الشرك والسحر والبدع والضلال ، وكذلك الصور المحرمة ، وآلات الملاهي المحرمة كالطنبور ، وكذلك شراء الجواري للغناء . [ ص: 448 ] وفي " المسند " عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين ، وأمرني أن أمحق المزامير والكنارات - يعني البرابط والمعازف - والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية ، وأقسم ربي بعزته لا يشرب عبد من عبيدي جرعة من خمر إلا سقيته مكانها من حميم جهنم ، معذبا أو مغفورا له ، ولا يسقيها صبيا صغيرا إلا سقيته مكانها من حميم جهنم معذبا أو مغفورا له ، ولا يدعها عبد من عبيدي من مخافتي إلا سقيتها إياه في حظيرة القدس ، ولا يحل بيعهن ولا شراؤهن ، ولا تعليمهن ، ولا تجارة فيهن ، وأثمانهن حرام [ يعني ] المغنيات . وخرجه الترمذي ، ولفظه : لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ، ولا تعلموهن ، ولا خير في تجارة فيهن ، وثمنهن حرام ، في مثل ذلك أنزل الله : ومن الناس من يشتري لهو الحديث [ لقمان : 6 ] الآية ، وخرجه ابن ماجه أيضا ، وفي إسناد الحديث مقال ، وقد روي نحوه من حديث عمر وعلي بإسنادين فيهما ضعف أيضا . ومن يحرم الغناء كأحمد ومالك ، فإنهما يقولان : إذا بيعت الأمة المغنية ، تباع على أنها ساذجة ، ولا يؤخذ لغنائها ثمن ، ولو كانت الجارية ليتيم ، ونص ذلك أحمد ، ولا يمنع الغناء من أصل بيع العبد والأمة ؛ لأن الانتفاع به في غير الغناء حاصل بالخدمة وغيرها ، وهو من أعظم مقاصد الرقيق . نعم ، لو علم [ ص: 449 ] أن المشتري لا يشتريه إلا للمنفعة المحرمة منه ، لم يجز بيعه له عند الإمام أحمد وغيره من العلماء ، كما لا يجوز بيع العصير ممن يتخذه خمرا ، ولا بيع السلاح في الفتنة ، ولا بيع الرياحين والأقداح لمن يعلم أنه يشرب عليها الخمر ، أو الغلام لمن يعلم منه الفاحشة . والقسم الثاني : ما ينتفع به مع إتلاف عينه فإذا كان المقصود الأعظم منه محرما ، فإنه يحرم بيعه كما يحرم بيع الخنزير والخمر والميتة ، مع أن في بعضها منافع غير محرمة ، كأكل الميتة للمضطر ، ودفع الغصة بالخمر ، وإطفاء الحريق به ، والخرز بشعر الخنزير عند قوم ، والانتفاع بشعره وجلده عند من يرى ذلك ، ولكن لما كانت هذه المنافع غير مقصودة ، لم يعبأ بها ، وحرم البيع بكون المقصود الأعظم من الخنزير والميتة أكلهما ، ومن الخمر شربها ، ولم يلتفت إلى ما عدا ذلك ، وقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى لما قيل له : أرأيت شحوم الميتة ، فإنها يطلى بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ، فقال : لا ، هو حرام . وقد اختلف الناس في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم : هو حرام فقالت طائفة : أراد أن هذا الانتفاع المذكور بشحوم الميتة حرام ، وحينئذ فيكون ذلك تأكيدا للمنع من بيع الميتة ، حيث لم يجعل شيئا من الانتفاع بها مباحا . وقالت طائفة : بل أراد أن بيعها حرام ، وإن كان قد ينتفع بها لهذه الوجوه ، لكن المقصود الأعظم من الشحوم هو الأكل ، فلا يباح بيعها لذلك . وقد اختلف العلماء في الانتفاع بشحوم الميتة ، فرخص فيها عطاء ، وكذلك نقل ابن منصور عن أحمد وإسحاق ، إلا أن إسحاق قال : إذا احتيج إليه ، وأما إذا وجد عنه مندوحة فلا ، وقال أحمد : يجوز إذا لم يمسه بيده ، [ ص: 450 ] وقالت طائفة : يجوز ذلك ، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ، وحكاه ابن عبد البر إجماعا عن غير عطاء . وأما الأدهان الطاهرة إذا تنجست بما وقع فيها من النجاسات ، ففي جواز الانتفاع بها بالاستصباح ونحوه اختلاف مشهور في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما ، وفيه روايتان عن أحمد . وأما بيعها ، فالأكثرون على أنه يجوز بيعها ، وعن أحمد رواية : يجوز بيعها من كافر ، ويعلم بنجاستها ، وهو مروي عن أبي موسى الأشعري ، ومن أصحابنا من خرج جواز بيعها على جواز الاستصباح بها وهو ضعيف مخالف لنص أحمد بالتفرقة ، فإن شحوم الميتة لا يجوز بيعها وإن قيل بجواز الانتفاع بها ، ومنهم من خرجه على القول بطهارتها بالغسل ، فيكون - حينئذ - كالثوب المتمضخ بنجاسة . وظاهر كلام أحمد منع بيعها مطلقا ؛ لأنه علل بأن الدهن المتنجس فيه ميتة ، والميتة لا يؤكل ثمنها . وأما بقية أجزاء الميتة ، فما حكم بطهارته منها ، جاز بيعه ، لجواز الانتفاع به ، وهذا كالشعر والقرن عند من يقول بطهارتهما ، وكذلك الجلد عند من يرى أنه طاهر بغير دباغ ، كما حكي عن الزهري ، وتبويب البخاري يدل عليه ، واستدل بقوله : إنما حرم من الميتة أكلها . وأما الجمهور الذين يرون نجاسة الجلد قبل الدباغ ، فأكثرهم منعوا من بيعه حينئذ ، لأنه جزء من الميتة وشذ بعضهم ، فأجاز بيعه كالثوب النجس ، ولكن الثوب طاهر طرأت عليه النجاسة ، وجلد الميتة جزء منها ، وهو نجس العين . وقال سالم بن عبد الله بن عمر : هل [ ص: 451 ] بيع جلود الميتة إلا كأكل لحمها ؟ وكرهه طاوس ، وعكرمة وقال النخعي : كانوا يكرهون أن يبيعوها ، فيأكلون أثمانها . وأما إذا دبغت ، فمن قال بطهارتها بالدبغ ، أجاز بيعها ، ومن لم ير طهارتها بذلك ، لم يجز بيعها ، ونص أحمد على منع بيع القمح إذا كان فيه بول الحمار حتى يغسل ، ولعله أراد بيعه ممن لا يعلم بحاله ، خشية أن يأكله ولا يعلم نجاسته . وأما الكلب ، فقد ثبت في " الصحيحين " عن أبي مسعود الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب . وفي " صحيح مسلم " عن رافع بن خديج سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : شر الكسب مهر البغي ، وثمن الكلب ، وكسب الحجام . وفيه عن معقل الجزري عن أبي الزبير ، قال : سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور ، فقال : زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك . وهذا مما يعرف عن ابن لهيعة عن أبي الزبير . وقد استنكر الإمام أحمد روايات معقل عن أبي الزبير ، وقال : هي تشبه أحاديث ابن لهيعة ، وقد تتبع ذلك ، فوجد كما قاله أحمد رحمه الله . وقد اختلف العلماء في بيع الكلب ، فأكثرهم حرموه ، منهم الأوزاعي ، ومالك في المشهور عنه ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق ، وغيرهم وقال أبو [ ص: 452 ] هريرة : هو سحت ، وقال ابن سيرين : هو أخبث الكسب ، وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى : ما أبالي ثمن كلب أكلت أو ثمن خنزير . وهؤلاء لهم مآخذ : أحدها : أنه إنما نهي عن بيعها لنجاستها ، وهؤلاء التزموا تحريم بيع كل نجس العين ، وهذا قول الشافعي ، وابن جرير ، ووافقهم جماعة من أصحابنا ، كابن عقيل " في نظرياته " وغيره ، والتزموا أن البغل والحمار إنما نجيز بيعهما إذا لم نقل بنجاستهما ، وهذا مخالف للإجماع . والثاني : أن الكلب لم يبح الانتفاع به واقتناؤه مطلقا كالبغل والحمار ، وإنما أبيح اقتناؤه لحاجات مخصوصة ، وذلك لا يبيح بيعه كما لا يبيح الضرورة إلى الميتة والدم بيعهما ، وهذا مأخذ طائفة من أصحابنا وغيرهم . والثالث : أنه إنما نهي عن بيعه لخسته ومهانته ، فإنه لا قيمة له إلا عند ذوي الشح والمهانة ، وهو متيسر الوجود ، فنهي عن أخذ ثمنه ترغيبا في المواساة بما يفضل منه عن الحاجة ، وهذا مأخذ الحسن البصري وغيره من السلف ، وكذا قال بعض أصحابنا في النهي عن بيع السنور . ورخصت طائفة في بيع ما يباح اقتناؤه من الكلاب ، ككلب الصيد ، وهو قول عطاء والنخعي وأبي حنيفة وأصحابه ، ورواية عن مالك ، وقالوا : إنما نهي عن بيع ما يحرم اقتناؤه منها . وروى حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور ، إلا كلب صيد ، خرجه النسائي ، [ ص: 453 ] وقال : هو حديث منكر ، وقال أيضا : ليس بصحيح ، وذكر الدارقطني أن الصحيح وقفه على جابر ، وقال أحمد : لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم رخصة في كلب الصيد ، وأشار البيهقي وغيره إلى أنه اشتبه على بعض الرواة هذا الاستثناء ، فظنه من البيع ، وإنما هو من الاقتناء ، وحماد بن سلمة في رواياته عن أبي الزبير ليس بالقوي ، ومن قال : إن هذا الحديث على شرط مسلم - كما ظنه طائفة من المتأخرين - فقد أخطأ ، لأن مسلما لم يخرج لحماد بن سلمة ، عن أبي الزبير شيئا ، وقد بين في كتاب " التمييز " أن رواياته عن كثير من شيوخه أو أكثرهم غير قوية . فأما بيع الهر ، فقد اختلف العلماء في كراهته ، فمنهم من كرهه ، وروي ذلك عن أبي هريرة وجابر وعطاء وطاوس ومجاهد ، وجابر بن زيد ، والأوزاعي ، وأحمد في رواية عنه ، وقال : هو أهون من جلود السباع ، وهذا اختيار أبي بكر من أصحابنا ، ورخص في بيع الهر ابن عباس وعطاء في رواية الحسن وابن سيرين والحكم وحماد ، وهو قول الثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه ، وعن إسحاق روايتان ، وعن الحسن أنه كره بيعها ، ورخص في شرائها للانتفاع بها . وهؤلاء منهم من لم يصحح النهي عن بيعها قال أحمد : ما أعلم فيه شيئا يثبت أو يصح ، وقال أيضا : الأحاديث فيه مضطربة . ومنهم من حمل النهي على ما لا نفع فيه كالبري ونحوه . ومنهم من قال : إنما نهى عن بيعها ، لأنه دناءة وقلة مروءة ، لأنها متيسرة [ ص: 454 ] الوجود ، والحاجة إليها داعية ، فهي من مرافق الناس التي لا ضرر عليهم في بذل فضلها ، فالشح بذلك من أقبح الأخلاق الذميمة ، فلذلك زجر عن أخذ ثمنها . وأما بقية الحيوانات التي لا تؤكل ، فما نفع فيه كالحشرات ونحوها لا يجوز بيعه ، وما يذكر من نفع في بعضها ، فهو قليل ، فلا يكون مبيحا للبيع ، كما لم يبح النبي صلى الله عليه وسلم بيع الميتة لما ذكر له ما فيها من الانتفاع ، ولهذا كان الصحيح أنه لا يباح العلق لمص الدم ، ولا الديدان للاصطياد ونحو ذلك . وأما ما فيه نفع للاصطياد منها ، كالفهد والبازي والصقر ، فحكى أكثر الأصحاب في جواز بيعها روايتين عن أحمد ، ومنهم من أجاز بيعها ، وذكر الإجماع عليه ، وتأول رواية الكراهة كالقاضي أبي يعلى في " المجرد " ، ومنهم من قال : لا يجوز بيع الفهد والنسر ، وحكى فيه وجها آخر بالجواز ، وأجاز بيع البزاة والصقور ، ولم يحك فيه خلافا ، وهو قول أبي موسى . وأجاز بيع الصقر والبازي والعقاب ونحوه أكثر العلماء ، منهم : الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق ، والمنصوص عن أحمد في أكثر الروايات عنه جواز بيعها ، وتوقف في رواية عنه في جوازه إذا لم تكن معلمة ، قال الخلال : العمل على ما رواه الجماعة أنه يجوز بيعها بكل حال . وجعل بعض أصحابنا الفيل حكمه حكم الفهد ونحوه ، وفيه نظر ، والمنصوص عن أحمد في رواية حنبل أنه لا يحل بيعه ولا شراؤه ، وجعله كالسبع ، وحكي عن الحسن أنه قال : لا يركب ظهره ، وقال : هو مسخ ، وهذا كله يدل على أنه لا منفعة فيه . ولا يجوز بيع الدب ، قاله القاضي في " المجرد " ، وقال ابن أبي موسى : يجوز بيع القرد ، قال ابن عبد البر : لا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء ، وقال [ ص: 455 ] القاضي في " المجرد " إن كان ينتفع به في موضع ، لحفظ المتاع ، فهو كالصقر والبازي ، وإلا فهو كالأسد لا يجوز بيعه ، والصحيح المنع مطلقا ، وهذه المنفعة يسيرة ، وليست هي المقصودة منه ، فلا تبيح البيع كمنافع الميتة . ومما نهي عن بيعه جيف الكفار إذا قتلوا ، خرج الإمام أحمد من حديث ابن عباس قال : قتل المسلمون يوم الخندق رجلا من المشركين ، فأعطوا بجيفته مالا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادفعوا إليهم جيفته ، فإنه خبيث الجيفة ، خبيث الدية ، فلم يقبل منهم شيئا . وخرجه الترمذي ، ولفظه : إن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم . وخرجه وكيع في كتابه من وجه آخر عن عكرمة مرسلا ، ثم قال وكيع : الجيفة لا تباع . وقال حرب : قلت لإسحاق : ما تقول في بيع جيف المشركين من المشركين ؟ قال : لا . وروى أبو عمرو الشيباني أن عليا أتي بالمستورد العجلي وقد تنصر ، فاستتابه فأبى أن يتوب ، فقتله ، فطلبت النصارى جيفته بثلاثين ألفا ، فأبى علي فأحرقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية