فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
أقسام التحمل والأخذ

وأولها سماع لفظ الشيخ


364 - أعلى وجوه الأخذ عند المعظم وهي ثمان لفظ شيخ فاعلم      365 - كتابا أو حفظا وقل حدثنا
سمعت أو أخبرنا أنبأنا      366 - وقدم الخطيب أن يقولا
سمعت إذ لا يقبل التأويلا      367 - وبعدها حدثنا حدثني
وبعد ذا أخبرنا أخبرني      368 - وهو كثير ويزيد استعمله
وغير واحد لما قد حمله      369 - من لفظ شيخه وبعده تلا
أنبأنا نبأنا وقللا      370 - وقوله قال لنا ونحوها
كقوله حدثنا لكنها      371 - الغالب استعمالها مذاكره
ودونها قال بلا مجارره      372 - وهي على السماع إن يدر اللقي
لا سيما من عرفوه في المضي      373 - أن لا يقول ذا لغير ما سمع
منه كحجاج ولكن يمتنع [ ص: 157 ]      374 - عمومه عند الخطيب وقصر
ذاك على الذي بذا الوصف اشتهر



( وأولها ) أي : أعلاها رتبة ( سماع لفظ الشيخ أعلى وجوه ) أي : طرق ( الأخذ ) للحديث وتحمله عن الشيوخ ( عند المعظم ) من المحدثين وغيرهم ( وهي ) أي : الطرق ( ثمان ) ، ولها أنواع متفق على بعضها دون بعض .

( لفظ شيخ ) أي : السماع منه ( فاعلم ) ذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الناس ابتداء وأسمعهم ما جاء به ، والتقرير على ما جرى بحضرته صلى الله عليه وسلم أو السؤال عنه مرتبة ثانية ، فالأولى أولى ، وفيه أقوال أخر تأتي حكايتها في القراءة على الشيخ .

ولكن هذا هو المعتمد ، سواء حدث ( كتابا ) أي : من كتابه ( أو حفظا ) أي : من حفظه ، إملاء أو غير إملاء في صورتي الحفظ والكتاب ، لكنه في الإملاء أعلى ; لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب ، إذ الشيخ مشتغل بالتحديث ، والطالب بالكتابة عنه ، فهما لذلك أبعد عن الغفلة ، وأقرب إلى التحقيق وتبيين الألفاظ مع جريان العادة بالمقابلة بعده ، وإن حصل اشتراكه مع غيره من أنواع التحديث في أصل العلو .

وما تقرر في أرجحية هذا القسم هو الأصل ، وإلا فقد يعرض للفائق ما يجعله مفوقا ، كأن يكون المحدث لفظا غير ماهر ، إما مطلقا أو بالنسبة لبعض القراء ، [ وما اتفق من تحديث أبي علي الحسن بن عمر الكردي أحد المسندين بتلقين ] الإمام التقي السبكي بالجزء الأول من حديث ابن سماك كلمة كلمة ; [ ص: 158 ] لكونه كان ثقيل السمع جدا ، قصدا لتحقيق سماعه بذلك ; لأنه لو اقتصر على القراءة بالصوت المرتفع لم يزل الشك .

وإن كان شيخنا قد وقع له مع ابن قوام في أخذ الموطأ رواية أبي مصعب ; لكونه أيضا كان ثقيل السمع جدا ، أنه هو وأصحابه كانوا يتناوبون القراءة عليه كلمة كلمة بصوت مرتفع كالأذان حتى زال الشك ، مع قرائن ; كصلاة المسمع على النبي صلى الله عليه وسلم ، وترضيه عن أصحابه ونحو ذلك ، فما وقع للسبكي أضبط ، بل ما وقع له أيضا أعلى من العرض فقط بلا شك .

وأما تلقين الحجار قراءة سورة الصف قصدا لاتصال تسلسلها ; لكونه لم يكن يحفظها ، فأعلى من ذلك كله ; لعدم الخلل في سماعه ( وقل ) في حالة [ ص: 159 ] الأداء لما سمعته من لفظ الشيخ : ( حدثنا ) فلان ، أو ( سمعت ) فلانا ( أو أخبرنا ) ، أو خبرنا ، أو ( أنبأنا ) ، أو نبأنا فلان ، أو قال لنا ، أو ذكر لنا فلان ، على وجه الجواز في ذلك كله اتفاقا حسبما حكاه عياض ; يعني : لغة ، كما صرح به الخطيب حيث قال : كل هذه الألفاظ عند علماء اللسان عبارة عن التحديث ، وإلا فالخلاف موجود فيها اصطلاحا كما سيأتي .

ومن أصرح الأدلة لذلك قوله تعالى : يومئذ تحدث أخبارها [ الزلزلة : 4 ] ولا ينبئك مثل خبير [ فاطر : 14 ] ، قال ابن الصلاح : وينبغي - أي : ندبا - أن لا يطلق من هذه الألفاظ ما شاع استعماله في غير السماع لفظا ; لما فيه من الإيهام والإلباس ; يعني : حيث حصلت التفرقة بين الصيغ بحسب افتراق التحمل . وخص ما يلفظ به الشيخ بالتحديث ، وما سمع في العرض بالإخبار ، وما كان إجازة مشافهة بالإنباء ، بل عدم الإطلاق كما أشار إليه الشارح مما يتأكد في أنبأنا بخصوصها بعد اشتهار استعمالها في الإجازة ; لأنه يؤدي إلى إسقاط المروي ممن لا يحتج بها .

وعلى كل حال ، فهذه الألفاظ متفاوتة ، وقد ( قدم ) الحافظ ( الخطيب ) منها ( أن يقولا ) أي : الراوي : ( سمعت إذ ) لفظها صريح ( لا يقبل ) ، كما سيأتي ، [ ص: 160 ] ( التأويلا وبعدها ) أي : بعد سمعت في الرتبة ( حدثنا ) لأن سمعت ، كما قال الخطيب : " لا يكاد أحد يقولها في الإجازة والمكاتبة ، ولا في تدليس ، ما لم يسمعه ، بخلاف حدثنا ; فقد استعملها في الإجازة فطر وغيره ، كما سبق في التدليس .

وروي أن الحسن البصري كان يقول : ثنا أبو هريرة ، ويتأول حدث أهل المدينة والحسن بها ، كما كان يقول : خطبنا ابن عباس بالبصرة ، ويريد خطب أهل البصرة ، وكما كان ثابت يقول : قدم علينا عمران بن حصين ، وممن صرح بنسبة الحسن لذلك البزار ; حيث قال : إن الحسن روى عمن لم يدركه ، وكان يتأول فيقول : ثنا وخطبنا ; يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة .

ويتأيد بتصريح أيوب وبهز بن أسد ويونس بن عبيد وأحمد وأبي زرعة وأبي حاتم وابن المديني والترمذي والنسائشي والبزار والخطيب وغيرهم ، بأنه لم يسمع من أبي هريرة ، بل قال يونس : إنه ما رآه قط ، لكن يخدش في دعوى كونه صرح بالتحديث أنه قيل لأبي زرعة : فمن قال عنه : ثنا أبو هريرة ، قال : يخطئ ، ونحوه [ ص: 161 ] قول أبي حاتم ، وقيل له : إن ربيعة بن كلثوم قال : سمعت الحسن يقول : ثنا أبو هريرة : لم يعمل ربيعة شيئا ، لم يسمع الحسن من أبي هريرة شيئا .

وقول سالم الخياط في روايته عن الحسن : سمعت أبا هريرة ، مما يبين ضعف سالم ; فإن حاصل هذا كله أنه لم يصح عن الحسن التصريح بالتحديث ، وذلك محمول من راويه على الخطأ أو غيره .

لكن قال شيخنا : إنه وقع في سنن النسائي عن إسحاق بن راهويه عن المغيرة بن سلمة عن وهيب عن أيوب عن الحسن عن أبي هريرة في المختلعات ، قول الحسن : لم أسمع من أبي هريرة غيره ، قال شيخنا : وهذا إسناد لا مطعن في أحد من رواته ، وهو يؤيد أنه سمع من أبي هريرة في الجملة ، كذا قال .

والذي رأيته في السنن الصغرى للنسائي بخط المنذري بلفظ : قال الحسن : لم أسمعه من غير أبي هريرة . وكذا هو في الكبرى بزيادة : أحد ، زاد في الصغرى : قال أبو عبد الرحمن ، يعني النسائي المصنف : الحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئا ، وكأنه جوز التدليس في هذه العبارة أيضا [ بإرادة لم [ ص: 162 ] أسمعه ] من غير حديث أبي هريرة .

على أن ابن دقيق العيد قال في التأويل : الأول أنه إذا لم يقم دليل قاطع على أن الحسن لم يسمع منه لم يجز أن يصار إليه - انتهى .

ولكن الذي عليه العمل عدم سماعه ، والقول بمقابله ضعفه النقاد . وكذا مما يشهد لكونها غير صريحة في السماع ما في صحيح مسلم في حديث : الذي يقتله الدجال ، فيقول : ( ( أنت الدجال الذي حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ) إذ من المعلوم تأخر ذلك الرجل ، فيكون حينئذ مراده : حدث الأمة وهو منهم .

ولكن قد خدش في هذا أيضا بأنه قد قيل : إن ذاك الرجل هو الخضر عليه السلام ، يعني على القول ببقائه ، وحينئذ فلا مانع من سماعه .

[ ص: 163 ] وبالجملة ، فالاحتمال فيها ظاهر . وكذا بعد ( سمعت ) ( حدثني ) ، وهي إن لم يطرقها الاحتمال المشار إليه لا توازي سمعت ; لكون حدثني - كما قال شيخنا - قد تطلق في الإجازة ، بل سمعنا بالجمع لا توازي المفرد منه ; لطروق الاحتمال أيضا فيه .

( وبعد ذا ) أي : حدثني وثنا ( أخبرنا ) ، أو ( أخبرني ) ، إلا أن الإفراد أبعد عن تطرق الاحتمال .

وعن بعضهم - كما حكاه ابن العربي في المسالك - قال : " ثنا " أبلغ من " أنا " ; لأن ثنا قد تكون صفة للموصوف ، والمخبر من له الخبر ، وكأنه أشار لما سيأتي عند حكاية الفرق بينهما من القسم بعده .

وسئل أحمد بن صالح عن ثنا وأنا وأنبأنا ، فقال : " ثنا " أحسن شيء في هذا ، و " أنا " دون " ثنا " ، و " أنبأنا " مثل " أنا " . ( وهو ) أي : الأداء " بأنا " جمعا وإفرادا في السماع من لفظ الشيخ ( كثير ) في الاستعمال ( ويزيد ) بن هارون ( استعمله ) هو ( وغير واحد ) ، منهم حماد بن سلمة وابن المبارك وعبد الرزاق وهشيم وخلق ، منهم ابن منده ( لما قد حمله ) الواحد منهم ( من لفظ شيخه ) ، كأنهم كانوا يرون ذلك أوسع . ويؤيده قول [ ص: 164 ] الخطيب : " وإنما استعمل من استعمل " أنا " ورعا ونزاهة لأمانتهم ، فلم يجعلوها للينها بمنزلة ثنا .

وممن صرح بذلك أحمد ، فقال : " أنا " أسهل من " ثنا " ، و " ثنا " شديد . قال ابن الصلاح : وكأن هذا كله قبل أن يشيع تخصيص " أنا " بالعرض . لكن قد قال محمد بن رافع : إن عبد الرزاق كان يقول : أنا ، حتى قدم أحمد وإسحاق فقالا له : قل : ثنا . قال ابن رافع : فما سمعته معهما كان عبد الرزاق يقول فيه : ثنا ، وأما قبل ذلك فكان يقول : أنا . بل حكى عبد الله بن أحمد أن أباه قال : فكان عبد الرزاق كثيرا ما يقول : ثنا ؛ لعلمه أنا نحب ذلك ، ثم يرجع إلى عادته .

وكأن أحمد أراد اللفظ الأعلى ، ولا ينافيه ما تقدم عنه . ( وبعده ) أي : بعد لفظ أنا وأخبرني ( تلا أنبأنا ) أو ( نبأنا ) بالتشديد ، [ فهو تلوه في المرتبة ] ( وقللا ) استعماله فيما يسمع من لفظ الشيخ ; أي : قبل اشتهار استعمالها في الإجازة .

ثم إن ما تقدم في ترجيح سمعت من تلك الحيثية ظاهر ، لكن لحدثنا وأنا أيضا [ ص: 165 ] جهة ترجيح عليها ، وهي ما فيها من الدلالة على أن الشيخ رواه الحديث وخاطبه به فيهما .

وقد سأل الخطيب شيخه البرقاني عن النكتة في عدوله عن واحدة منهما إلى سمعت حين التحديث عن أبي القاسم الآبندوني ، فقال : لأن أبا القاسم كان مع ثقته وصلاحه عسرا في الرواية ، فكنت أجلس حيث لا يراني ولا يعلم بحضوري ، فلهذا أقول : سمعت ; لأن قصده في الرواية إنما كان لشخص معين ، أشار إليه ابن الصلاح ، ومنه قول أبي داود صاحب السنن : قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد . ونحوه حذف النسائي الصيغة ، حيث يروي عن الحارث أيضا ، بل يقتصر على قوله : الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ; لأن الحارث كان يتولى قضاء مصر ، وكان بينه وبين النسائي خشونة ، فلم يمكنه حضور مجلسه ، فكان يتستر في موضع ويسمع حيث لا يراه ، فلذلك تورع وتحرى .

وهذا ظاهر فيمن قصد إفراد شخص بعينه ، أو جماعة معينين ، كما وقع للذي أمر بدق الهاون حتى لا يسمع حديثه من قعد على باب داره ، ولذا نقل عن معتمر بن سليمان أنه قال : " سمعت " أسهل علي من " حدثنا وأنا وحدثني [ ص: 166 ] وأخبرني " ; لأن الرجل قد يسمع ولا يحدث . وقد قال ابن جريج : حدثني ابن أبي مليكة حدثني عقبة بن الحارث ، ثم قال : لم يحدثني ، ولكني سمعته يقول : تزوجت ابنة أبي إهاب ، فجاءت امرأة سوداء فقالت : قد أرضعتكما . . . الحديث ، وقال أبو نعيم الفضل بن دكين : قلت لموسى بن علي بمكة : حدثك أبوك ؟ قال : حدث القوم وأنا فيهم ، فأنا أقول سمعت . وكل هذا يوافق صنيع البرقاني ، وكذا حكى أبو جعفر محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح بن المديني : إنه بينما هو مع أبيه عند الإمام أحمد في عيادته ، وكان مريضا ، وعنده يحيى بن معين وغيره من المحدثين ، إذ دخل أبو عبيد القاسم بن سلام ، فالتمس منه يحيى أن يقرأ عليهم كتاب الغريب له ، وأحضر الكتاب ، وأخذ يقرأ الأسانيد ويدع التفسير ، فقال له علي : يا أبا عبيد ، دعنا من الأسانيد ، نحن أحذق بها منك ، ففعل ، فقال يحيى لعلي : دعه يقرأه على وجهه ، فقال أبو عبيد : ما قرأته إلا على المأمون ، فإن أحببتم قراءته فاقرءوه ، فقال له علي : إن قرأته علينا وإلا فلا حاجة لنا فيه . ولم يكن أبو عبيد يعرف عليا ، فسأل يحيى عنه ، فقال له : هذا علي بن المديني ، قال : فالتزمه وقرأ حينئذ .

قال : فمن حضر ذلك المجلس فلا يقول : ثنا أو نحوها ، يعني لكون علي هو المخصوص بالتحديث . وكان أبي ، يعني عليا ، [ ص: 167 ] يقول : ثنا أبو عبيد .

وعلى هذا لو قال : سمعني بالتشديد حصل التساوي من هذه الحيثية ، وثبت للسماع التفصيل مطلقا ، وأما لو قال : حدث أو أخبر فلا يكون مثل سمعت في ذلك ، على أنا نقول : الحيثية المشار إليها في ثنا [ وأنا لا تقاوم ما فيهما من الخدش ] في الاتصال ، مما لأجله كانت سمعت أرجح منهما .

( وقوله ) أي : الراوي ( قال لنا ونحوها ) مثل : قال لي ، أو ذكر لنا ، أو ذكر لي ( كقوله حدثنا ) فلان في الحكم لها بالاتصال ، حسبما علم مما تقدم مع الإحاطة بتقديم الإفراد على الجمع ( لكنها ) أي : هذه الألفاظ ( الغالب ) من صنيعهم ( استعمالها ) فيما سمعوه في حال كونه ( مذاكرة ) . وقال ابن الصلاح : إنه ; أي : السماع ، مذاكرة لائق به ; أي : بهذا اللفظ ، وهو به أشبه من حدثنا - انتهى .

وممن صرح بأن البخاري بخصوصه يستعملها في المذاكرة أبو إسماعيل الهروي ; حيث قال : " عندي أن ذاك الرجل ذاكر البخاري أنه سمع من فلان حديث كذا ، فرواه بين المسموعات بهذا اللفظ ، وهو استعمال حسن ظريف ، ولا أحد أفضل من البخاري " .

وخالف أبو عبد الله بن منده في ذلك ; حيث جزم بأنه إذا قال : قال لي فهو [ ص: 168 ] إجازة .

وكذا قال أبو يعقوب الحافظ : إنه رواية بالإجازة . وقال جعفر بن حمدان : إنه عرض ومناولة . وهو على تقدير تسليمه منهم له حكم الاتصال أيضا على رأي الجمهور ، لكنه مردود عليهم ; فقد أخرج البخاري في الصوم من صحيحه حديث أبي هريرة قال : قال : ( ( إذا نسي أحدكم فأكل أو شرب ) ) ، فقال فيه : ثنا عبدان ، وأورده في تأريخه بصيغة : قال لي عبدان .

وكذا أورد حديثا في التفسير من صحيحه عن إبراهيم بن موسى بصيغة التحديث ، ثم أورده في الأيمان والنذور منه أيضا بصيغة : قال لي إبراهيم بن موسى ، في أمثلة كثيرة ، حقق شيخنا باستقرائه لها أنه إنما يأتي بهذه الصيغة ; [ يعني بانفرادها ] ، إذا كان المتن ليس على شرطه [ في أصل موضوع كتابه ، كأن يكون ظاهره الوقف ، أو في السند من ] ليس على شرطه في الاحتجاج ، [ وذاك في المتابعات والشواهد ] .

بل قال أبو نعيم - كما قدمته في التعليق - عقب حديث من مستخرجه أخرجه البخاري بصيغة : كتب إلي محمد بن بشار هذا الحديث بالإجازة ، ولا أعلم له في الكتاب حديثا بالإجازة غيره .

[ ص: 169 ] قال شيخنا : ومراد أبي نعيم بذلك ما كان عن شيوخه بلا واسطة ، وإلا فقد وقع عنده في أثناء الإسناد بالإجازة الكثير ، يعني كما سيأتي في القسم الخامس . ثم إن ابن منده نسب مسلما لذلك أيضا ، فزعم أنه كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه : قال لنا فلان ، وهو تدليس . قال شيخنا : ورده شيخنا ; يعني : الناظم ، وهو كما قال .

( ودونها ) أي : قال لي ( قال بلا مجاررة ) أي : بدون ذكر الجار والمجرور التي قال ابن الصلاح : إنها أوضع العبارات ( وهي ) مع ذلك محمولة ( على السماع إن يدر اللقي ) بينهما ، كما جزم به ابن الصلاح هنا ، وفي التعليق زاد هناك : " وكأن القائل سالما من التدليس " ( لا سيما من عرفوه ) أي : [ من عرف بين ] أهل الحديث ( في المضي ) أي : فيما مضى ( أن لا يقول ذا ) أي : لفظ قال عن شيخه ( لغير ما سمع منه كحجاج ) ، هو ابن محمد الأعور ; فإنه روى كتب ابن جريج بلفظ : قال ابن جريج ، فحملها الناس عنه واحتجوا بها .

وكذا قال همام : " ما قلت : قال قتادة ، فأنا سمعته منه " . وقال شعبة : لأن أزني أحب إلي من أن أقول : قال فلان ، ولم أسمع منه . ( ولكن [ ص: 170 ] يمتنع عمومه ) أي : الحكم بذلك ( عند ) الحافظ ( الخطيب ) إذا لم يعرف اتصافه بذلك ( وقصر ) الخطيب ( ذاك ) الحكم ( على ) الراوي الذي ( بذا الوصف اشتهر ) .

قال ابن الصلاح : " والمحفوظ المعروف ما قدمناه " . وأما البخاري فاختار شيخنا - كما تقدم - في هذه الصيغة منه بخصوصه عدم طرد حكم معين مع القول بصحته ; لجزمه به كما قررته في التعليق بما أغنى عن إعادته ، [ وقرر رد دعوى ابن منده فيها تدليسه ، بأن قال : لم يشتهر اصطلاحا للمدلسين ، بل هي وعن في عرف المتقدمين محمولة على السماع ] .

فائدة : وقع في الفتن من ( صحيح مسلم ) من طريق المعلى بن زياد رده إلى معاوية بن قرة رده إلى معقل بن يسار ، رده إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر حديثا ، وهو ظاهر في الاتصال ، ولذا أورده مسلم في صحيحه ، وإن كان اللفظ من حيث هو يحتمل الواسطة .

التالي السابق


الخدمات العلمية