فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
الثاني : القراءة على الشيخ


375 - ثم القراءة التي نعتها معظمهم عرضا سوى قرأتها

[ ص: 171 ]      376 - من حفظ أو كتاب أو سمعتا
والشيخ حافظ لما عرضتا      377 - أو لا ولكن أصله يمسكه
بنفسه أو ثقة ممسكه      378 - قلت كذا إن ثقة ممن سمع
يحفظه مع استماع فاقتنع      379 - وأجمعوا أخذا بها وردوا
نقل الخلاف وبه ما اعتدوا      380 - والخلف فيها هل تساوي الأولا
أو دونه أو فوقه فنقلا      381 - عن مالك وصحبه ومعظم
كوفة والحجاز أهل الحرم      382 - مع البخاري هما سيان
وابن أبي ذئب مع النعمان      383 - قد رجحا العرض وعكسه أصح
وجل أهل الشرق نحوه جنح      384 - وجودوا فيه : قرأت أو قري
مع " وأنا أسمع " ثم عبر      385 - بما مضى في أول مقيدا
قراءة عليه حتى منشدا      386 - أنشدنا قراءة عليه ، لا
سمعت لكن بعضهم قد حللا      387 - ومطلق التحديث والإخبار
منعه أحمد ذو المقدار      388 - والنسائي والتميمي يحيى
وابن المبارك الحميد سعيا      389 - وذهب الزهري والقطان
ومالك وبعده سفيان      390 - ومعظم الكوفة والحجاز
مع البخاري إلى الجواز      391 - وابن جريج وكذا الأوزاعي
مع ابن وهب والإمام الشافعي      392 - ومسلم وجل أهل الشرق
قد جوزوا أخبرنا للفرق      393 - وقد عزاه صاحب الإنصاف
للنسائي من غير ما خلاف      394 - والأكثرين وهو الذي اشتهر
مصطلحا لأهله أهل الأثر      395 - وبعض من قال بذا أعادا
قراءة الصحيح حتى عادا      396 - في كل متن قائلا أخبركا
إذ كان قال أولا حدثكا      397 - قلت وذا رأي الذين اشترطوا
إعادة الإسناد وهو شطط

[ ص: 172 ] القسم ( الثاني ) من أقسام التحمل والأخذ ( القراءة على الشيخ ثم ) يلي السماع من لفظ الشيخ ( القراءة ) عليه ، وهي ( التي نعتها ) يعني سماعا ( معظمهم ) أي : أكثر أهل الحديث من الشرق وخراسان ( عرضا ) يعني أن القارئ يعرض على الشيخ كما يعرض القرآن على المقرئ ، وكأن أصله من وضع عرض شيء على عرض شيء آخر ; لينظر في استوائهما وعدمه ، وأدرج فيه بعضهم عرض المناولة ، والتحقيق عدم إطلاقه فيه كما سيأتي .

( سوى ) بفتح المهملة والقصر على لغة ; أي : في تسميتها عرضا ( قرأتها ) أي : الأحاديث ، بنفسك على الشيخ ( من حفظ ) منك ( أو كتاب ) لك أو للشيخ أو لغيره ( أو ) [ بالنقل فيه وفيما قبله مع تنوين ما قبلهما ، وإن اتزن مع تركه بالقطع ] ( سمعتا ) بقراءة غيرك من كتاب كذلك ، أو حفظه أيضا ( والشيخ ) في حال التحديث ( حافظ لما عرضتا ) أو عرض غيرك عليه ( أو لا ) يحفظ ( ولكن ) يكون ( أصله ) معه ( يمسكه ) هو ( بنفسه أو ثقة ) ضابط ، غيره ( ممسكه ) كما سيأتي في أول الفروع الآتية قريبا .

( قلت ) : ( كذا ) الحكم ( إن ) كان ( ثقة ) ضابط ( ممن سمع ) معك ( يحفظه ) أي : المقروء ( مع استماع ) منه لما يقرأ وعدم غفلة عنه ( فاقتنع ) بذلك ، وإن لم يذكرها [ ص: 173 ] ابن الصلاح ، لكنه قد اكتفى بالثقة في إمساك الأصل ، فليكن في الحفظ كذلك ; إذ لا فرق ، وهو ظاهر . ولفارق أن يفرق بأن الحفظ خوان ، ولا ينفي هذا أرجحية بعض الصور ، كأن يكون الشيخ أو الثقة متميزا في الإمساك أو في الحفظ ، أو يجتمع لأحدهما الحفظ والإمساك .

( وأجمعوا ) أي : أهل الحديث ( أخذا ) أي : على الأخذ والتحمل ( بها ) أي : بالرواية عرضا وتصحيحها .

وممن صرح بذلك عياض ، فقال : لا خلاف أنها رواية صحيحة ( وردوا نقل الخلاف ) المحكي عن أبي عاصم النبيل ، وعبد الرحمن بن سلام الجمحي ، ووكيع ، ومحمد بن سلام ; فإنه قال : أدركت مالكا ، فإذا الناس يقرءون عليه ، فلم أسمع منه لذلك ، وغيرهم من السلف من أهل العراق ممن كان يشدد ولا يعتد إلا بما سمعه من ألفاظ المشايخ ( وبه ) أي : بالخلاف ( ما اعتدوا ) لعلمهم بخلافه .

[ ص: 174 ] وكان مالك يأبى أشد الإباء على المخالف ويقول : كيف لا يجزيك هذا في الحديث ويجزيك في القرآن ، والقرآن العظيم أعظم ؟ ! ولذا قال بعض أصحابه : صحبته سبع عشرة سنة ، فما رأيته قرأ ( الموطأ ) على أحد ، بل يقرءون عليه .

وقال إبراهيم بن سعد : يا أهل العراق ، لا تدعون تنطعكم ، العرض مثل السماع . واستدل له أبو سعيد الحداد ، كما أخرجه البيهقي في المعرفة ، من طريق ابن خزيمة : سمعت البخاري يقول : قال أبو سعيد الحداد : عندي خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة على العالم ، فقيل له ، فقال قصة ضمام بن ثعلبة ، قال : آلله أمرك بها ؟ قال : ( ( نعم ) ) ، ورجع ضمام إلى قومه فقال لهم : " إن الله قد بعث رسولا ، وأنزل عليه كتابا ، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه . فأسلموا عن آخرهم " .

قال البخاري : فهذا - أي : قول ضمام : آلله أمرك - قراءة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخبر ضمام قومه بذلك ، فأجازوه ; أي : قبلوه منه .

( و ) لكن ( الخلف ) بينهم [ ص: 175 ] ( فيها ) أي : في القراءة عرضا ( هل تساوي ) القسم ( الأولا ) أي : السماع لفظا ( أو ) هي ( دونه أو فوقه فنقلا ) بالبناء للمفعول ; [ يعني : جاء ] ( عن مالك ) ، هو ابن أنس ( وصحبه ) ، بل وأشباهه من أهل المدينة وعلمائها كالزهري كما قاله عياض .

( و ) كذا عن ( معظم ) العلماء من أهل ( كوفة ) بفتح التاء غير منصرف كالثوري ( و ) من أهل ( الحجاز أهل الحرم ) أي : مكة ; كابن عيينة ( مع ) الناقد الحجة أبي عبد الله ( البخاري ) في جماعة من الأئمة كالحسن البصري ، أوردهم البخاري في أوائل صحيحه ، ويحيى بن سعيد القطان في رواية ( هما ) أي : إنهما في القوة والصحة ( سيان ) .

وممن رواه عن مالك إسماعيل بن أبي أويس ; فإنه قال : إنه سئل عن حديثه أسماع هو ؟ فقال : منه سماع ، ومنه عرض ، وليس العرض عندنا بأدنى من السماع . وهذا هو القول الأول ; إذ لكل واحد منهما وجه أرجحية ، ووجه مرجوحية ، فتعادلا . وحكاه البيهقي وعياض عن أكثر أئمة المحدثين ، والصيرفي عن نص الشافعي .

قال عوف الأعرابي : جاء رجل إلى الحسن البصري فقال : يا أبا سعيد ، منزلي بعيد ، والاختلاف علي يشق ، فإن لم تكن ترى بالقراءة بأسا قرأت عليك ، فقال : ما أبالي قرأت عليك أو قرأت علي ، قال : فأقول : حدثني الحسن ؟ [ ص: 176 ] قال : نعم . ويروى فيه حديث مرفوع عن علي وابن عباس وأبي هريرة ، لفظه : ( ( قراءتك على العالم وقراءة العالم عليك سواء ) ) ، ولا يصح رفعه .

والقول الثاني : الوقف ، حكاه بعضهم ، ( وابن أبي ذئب ) ، هو أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث القرشي العامري المدني ( مع ) الإمام أبي حنيفة ( النعمان ) بن ثابت ( قد رجحا العرض ) على السماع لفظا ، فروى السليماني من حديث الحسن بن زياد قال : كان أبو حنيفة يقول : قراءتك على المحدث أثبت وأوكد من قراءته عليك ; إنه إذا قرأ عليك فإنما يقرأ على ما في الصحيفة ، وإذا قرأت عليه فقال : حدث عني ما قرأت ، فهو تأكيد .

وعن موسى بن داود قال : إذا قرأت علي شغلت نفسي بالإنصات لك ، وإذا حدثتك غفلت عنك . رواه الرامهرمزي ثم عياض في آخرين من المدنيين [ ص: 177 ] وغيرهم كيحيى بن سعيد بن فروخ القطان في إحدى الروايتين عنه ، وابن جريج وشعبة محتجين بأن الشيخ لو سها لم يتهيأ للطالب الرد عليه ; إما لجهالته ، أو لهيبة الشيخ ، أو لظنه فيما يكون فيه المحل قابلا للاختلاف أن ذلك مذهبه .

وبهذا الأخير علل مالك إشارته لنافع القارئ بعدم الإمامة في المسجد النبوي ، وقال : المحراب موضع محنة ، فإن زللت في حرف وأنت إمام حسبت قراءة وحملت عنك - انتهى .

ويشهد للأخير أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة فترك آية ، فلما فرغ أعلمه بعض الصحابة بذلك ، فقال له : ( ( فهلا أذكرتنيها ؟ ) ) قال : كنت أراها نسخت . بخلاف ما إذا كان الطالب هو القارئ ; فإنه لا هيبة له ، ولا يعد خطؤه مذهبا ، أشار إليه عياض . وكذا قال أبو عبيد القاسم بن سلام : القراءة علي أثبت لي ، [ وأفهم لي ] ، من أن أتولى القراءة أنا .

ونحوه قول ابن فارس : السامع أربط جأشا ، وأوعى قلبا ، وشغل القلب وتوزع الفكر إلى القارئ أسرع ، فلذلك رجح . ونحوه قول من ذهب لترجيح استماع القرآن على قراءته ، المستمع غالبا أقوى على التدبر ، ونفسه أخلى وأنشط لذلك من القارئ ; لاشتغاله بالقراءة وأحكامها .

وهذا هو القول الثالث ، ونقله الدارقطني في غرائب مالك ، والخطيب [ ص: 178 ] في الكفاية عن مالك ، وكذا رويناه في الحث على الطلب للسليماني ، وفي الإلماع من طريق القعنبي قال : قال لي مالك : قراءتك علي أصح من قراءتي عليك .

ولكن المعروف عنه التسوية ، وما حكاه أبو خليفة عن عبد الرحمن بن سلام الجمحي أنه سمعه يقول : دخلت على مالك وعلى بابه من يحجبه وبين يديه ابن أبي أويس يقول : حدثك نافع ، حدثك الزهري ، حدثك فلان ، ومالك يقول : نعم . فلما فرغ قلت : يا أبا عبد الله ، عوضني مما حدثت بثلاثة أحاديث تقرؤها علي ، قال : أعراقي أنت ؟ أخرجوه عني . فمحتمل للتسوية ، أو ترجيح العرض .

بل قيل : إن الذي قاله أبو حنيفة إنما هو فيما إذا كان الشيخ يحدث من كتاب ، أما حيث حدث من حفظه فلا . ( وعكسه ) أي : ترجيح السماع لفظا على العرض ( أصح ) وأشهر ( وجل ) أي : معظم ( أهل الشرق ) وخراسان كما قاله عياض ( نحوه جنح ) ، لكن محله ما لم يعرض عارض يصير العرض أولى بأن يكون الطالب أعلم أو أضبط ونحو ذلك ، كأن يكون الشيخ في حال القراءة عليه أوعى وأيقظ منه في حال قراءته هو . وحينئذ فالحق أن كلما كان فيه الأمن من الغلط والخطأ أكثر كان أعلى مرتبة .

وأعلاها فيما يظهر أن يقرأ الشيخ من أصله ، وأحد السامعين يقابل بأصل آخر ; ليجتمع فيه اللفظ والعرض ( وجودوا فيه ) أي : ورأى أهل الحديث الأجود والأسلم في أداء ما سمع كذلك أن يقول : ( قرأت ) على فلان إن كان هو الذي [ ص: 179 ] قرأ ( أو قرئ ) على فلان إن كان بقراءة غيره ( مع ) بالسكون ، تصريحه بقوله : ( وأنا أسمع ) للأمن من التدليس .

قال ابن الصلاح : وهذا سائغ من غير إشكال . ( ثم عبر ) أيها المحدث ( بما مضى في أول ) أي : في القسم الأول ( مقيدا ) ذلك بقولك : ( قراءة عليه ) ، فقل : ثنا فلان بقراءتي عليه ، أو قراءة عليه وأنا أسمع ، أو أنا فلان بقراءتي أو قراءة عليه ، أو أنبأنا ، أو نبأنا فلان بقراءتي أو قراءة عليه ، [ أو قال لنا فلان بقراءتي أو قراءة عليه ] ، أو نحو ذلك ( حتى ) ولو كنت ( منشدا ) نظما لغيرك سمعته بقراءة غيرك أو قراءته ، فقل : ( أنشدنا ) فلان ( قراءة عليه ) ، [ أو بقراءتي ، أو سماعا عليه ] ، هذا مع ظهورها فيما ينشده الشيخ لفظا ( لا ) أي : إلا ( سمعت ) فلانا ; فإنهم [ مع شمول كلام ابن الصلاح لها ] استثنوها في العرض مما مضى في القسم الأول .

وصرح أحمد بن صالح المصري بعدم جوازها ( لكن بعضهم ) [ كالسفيانين ومالك فيما حكاه عياض عنهم ] ( قد حللا ) ذلك ، [ ص: 180 ] واستعمله بعض المتأخرين ، وهو كما قال ابن دقيق العيد في اقتراحه : " تسامح خارج عن الوضع ليس له وجه " ، قال : ولا أرى جوازه لمن اصطلحه لنفسه . نعم ، إن كان اصطلاحا عاما فقد يقرب الأمر فيه ، قال : ولا شك أن الاصطلاح واقع على قول المؤرخين في التراجم : سمع فلانا وفلانا ، من غير تقييد بسماعه من لفظه .

وبالجملة ، فالصحيح الأول ، وممن صححه القاضي أبو بكر الباقلاني ، واستبعد ابن أبي الدم الخلاف ، وقال : ينبغي الجزم بعدم الجواز ; لأن " سمعت " صريحة في السماع لفظا ; يعني : كما تقدم . [ والظاهر أن ذلك عند الإطلاق ] ، وإلا فقد استعملها السلفي في كتابه ( الطباق ) فيقول : سمعت بقراءتي ، ولذا قال ابن دقيق العيد : وربما قربه بعضهم بأن يقول : سمعت فلانا قراءة عليه . ونحوه صنيع النووي في جمعهما لمن قرأ عليه .

ولذلك فائدة جليلة ، وهو عدم اتصافه بما يمنع السماع ، بل ( ومطلق التحديث والإخبار ) ممن أخذ عرضا بدون تقييد بقراءته ، أو قراءة غيره وهو يسمع ( منعه ) الإمام ( أحمد ) بن حنبل ( ذو المقدار ) الجليل في المشهور عنه ( و ) كذا ( النسائي ) صاحب السنن على المشهور عنه أيضا ، كما صرح به النووي .

( و ) ممن منع أيضا [ ص: 181 ] ( التميمي ) بالسكون بنية الوقف ( يحيى وابن المبارك ) عبد الله ( الحميد سعيا ) أي : سعيه . قال الخطيب : وهو مذهب خلق من أصحاب الحديث . وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : إنه الصحيح .

( وذهب ) الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب ( الزهري ) ، ويحيى بن سعيد ( القطان ) ، والثوري ، وأبو حنيفة في أحد قوليه ، وصاحباه ( ومالك ) ابن أنس في أحد قوليه ( وبعده سفيان ) بن عيينة ، والشافعي ، وأحمد ( ومعظم ) أهل ( الكوفة والحجاز ) مع الإمام ( البخاري ) صاحب الصحيح ( إلى الجواز ) لعدم الفرق بين الصيغتين كما في القسم قبله .

ولفظ الزهري : ما أبالي قراءة على المحدث أو حدثني ، كلاهما أقول فيه : ثنا .

وقال عثمان بن عبيد الله بن رافع : رأيت من يقرأ على الأعرج حديثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : هذا حديثك يا أبا داود ؟ وهي كنية الأعرج ، فيقول : نعم ، قال : فأقول : حدثني عبد الرحمن وقد قرأت عليك ؟ قال : نعم . وعليه استمر عمل المغاربة ، وكذا سوى بينهما يزيد بن هارون والنضر بن شميل ، ووهب بن جرير ، وثعلب والطحاوي ، وله فيه جزء سمعته ، واحتج له [ ص: 182 ] بآيات تقدم بعضها في القسم الأول ، وبغير ذلك . بل حكاه عياض عن الأكثرين ، والخطيب وابن فارس ، في جزء له سمعته سماه ( مآخذ العلم عن أكثر العلماء ) ، وصححه ابن الحاجب في مختصره . وسأل رجل محمد بن نصر المروزي : ما الفرق بينهما ؟ فقال : سوء الخلق .

وكذا ممن حكي عنه التسوية أبو عاصم النبيل ، مع الحكاية عنه أولا لعدم قبوله العرض أصلا ، [ وكأن ذاك اختياره ، وذا مشيا منه على مذهب القائلين به ] ( وابن جريج ) ، هو عبد الملك بن عبد العزيز المكي ، فيما حكاه الخطيب في جامعه وكفايته ، كما بينته في الحاشية ، ثم ابن الصلاح ( وكذا ) أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو ( الأوزاعي ) الشامي ، وابن معين ( مع ) الإمام أبي حنيفة في أحد قوليه ، ( وابن وهب ) عبد الله المصري .

( والإمام ) الأعظم ناصر السنة ( الشافعي ) ، مع كون الحاكم قد أدرجه في المسوين ( و ) مع ( مسلم ) صاحب الصحيح ( وجل ) أي : أكثر ( أهل الشرق قد جوزوا ) إطلاق ( أخبرنا ) دون حدثنا ( للفرق ) بينهما ، والتمييز بين النوعين .

واستشهد له بعض [ ص: 183 ] الأئمة بأنه لو قال : من أخبرني بكذا فهو حر ، ولا نية له ، فأخبره بذلك بعض أرقائه ، بكتاب أو رسول أو كلام ، عتق ، بخلاف ما لو قال : من حدثني بكذا فإنه لا يعتق ، إلا إن شافهه . زاد بعضهم : والإشارة مثل الخبر .

وقال ابن دقيق العيد : ثنا يعني في العرض بعيد من الوضع اللغوي ، بخلاف أنا فهو صالح لما حدث به الشيخ ، ولما قرئ عليه فأقر به ، فلفظ الإخبار أعم من التحديث ، فكل تحديث إخبار ، ولا ينعكس .

( وقد عزاه ) أي : القول بالفرق ، أبو عبد الله وأبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن أحمد بن خلاد التميمي المصري الجوهري صاحب ( الإنصاف ) فيما بين الأئمة في ثنا وأنا من الاختلاف ، وكتاب ( إجماع الفقهاء ) أيضا ( ل ) عصريه أبي عبد الرحمن ( النسائي من غير ما خلاف ) أي : من غير حكاية خلافه عنه ، وكأنه لم يستحضر ما تقدم عنه مما هو أشهر من هذا .

( والأكثرين ) [ أي : وعزاه التميمي أيضا للأكثرين ] من أصحاب الحديث الذين لا يحصيهم أحد ( وهو ) بضم الهاء على لغة أهل الحجاز ( الذي اشتهر ) وشاع ( مصطلحا ) أي : من جهة الاصطلاح ( لأهله أهل [ ص: 184 ] الأثر ) حيث جعلوا أنا علما يقوم مقام قوله : أنا قرأته ، لا أنه لفظ لي به . والاصطلاح لا مشاححة فيه ، بل خطأ من خرج عنه جماعة ، منهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، وعبارة أولهما : لا يجوز فيما قرأ أو سمع أن يقول : ثنا ، ولا فيما سمع لفظا أن يقول : أنا ; إذ بينهما فرق ظاهر ، ومن لم يحفظ ذلك على نفسه كان من المدلسين .

لكن قد كان بعض المتأخرين يقول : إن كان الاصطلاح مباينا للغة مباينة كلية ، فهذا يشاحح فيه ، وإلا فلا . وقول ابن الصلاح هنا : " والاحتجاج لذلك من حيث اللغة فيه عناء وتكلف " ، يشعر بأنه لو تكلف له لأمكن أن يستخرج من اللغة ما يكون وجها للتفرقة بين اللفظين ، قال : " وخير ما يقال فيه : إنه اصطلاح منهم ، أرادوا به التمييز بين النوعين ، ثم خصص أولهما بالتحديث ; لقوة إشعاره بالنطق والمشافهة .

ويقال : إن ابن وهب أول من أحدث التفرقة بين اللفظين ، لا مطلقا ، [ بل بخصوص مصر ] ( وبعض من قال بذا ) أي : الفرق بين الصيغتين ، وهو أبو حاتم محمد بن يعقوب الهروي أحد رؤساء الحديث بخراسان ، فيما حكاه الخطيب [ ص: 185 ] عن شيخه البرقاني عنه ( أعادا قراءة الصحيح ) للبخاري بعد قراءته له على بعض رواته عن الفربري ( حتى عادا ) أي : رجع ( في كل متن ) حال كونه ( قائلا أخبركا ) الفربري ( إذ كان قال ) له ( أولا ) لظنه أنه سمعه من الفربري لفظا : ( حدثكا ) الفربري ، بل قال لشيخه الذي قرأ عليه : تسمعني أقول : حدثكم الفربري ، فلا تنكر علي ، مع علمك بأنك إنما سمعته منه قراءة عليه ؟ !

قال ابن الصلاح : وهذا من أحسن ; أي : أبلغ ما يحكى عمن يذهب هذا المذهب .

( قلت : وذا رأي الذين اشترطوا إعادة الإسناد ) في كل حديث من الكتاب أو النسخة مع اتحاد السند ، وإلا لكان يكتفى بقوله : أخبركم الفربري بجميع صحيح البخاري من غير إعادة قراءة جميع الكتاب ، ولا تكرير الصيغة في كل حديث ( وهو ) أي : اشتراط الإعادة ( شطط ) لمجاوزته الحد ، والصحيح الاكتفاء بالإخبار أولا أو آخرا ، كما سيأتي في الرواية من النسخ التي إسنادها واحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية