فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء

405 - والحاكم اختار الذي قد عهدا عليه أكثر الشيوخ في الأدا      406 - " حدثني " في اللفظ حيث انفردا
واجمع ضميره إذا تعددا      407 - والعرض إن تسمع فقل " أخبرنا "
أو قارئا " أخبرني " واستحسنا      408 - ونحوه عن ابن وهب رويا
وليس بالواجب لكن رضيا      409 - والشك في الأخذ أكان وحده
أو مع سواه فاعتبار الوحده      410 - محتمل لكن رأى القطان
الجمع فيما أوهم الإنسان      411 - في شيخه ما قال والوحدة قد
اختار في ذا البيهقي واعتمد

الثالث : في افتراق الحال في الصيغة بين المنفرد أو من يكون في جماعة ( والحاكم اختار ) الأمر ( الذي قد عهدا عليه أكثر الشيوخ ) له ، بل وأئمة عصره ، [ ص: 192 ] ( في ) صيغ ( الأدا ) ، وهو أن يقول : ( حدثني ) فلان بالإفراد ( في ) الذي يتحمله من شيخه بصريح ( اللفظ حيث انفردا ) بأن لم يكن معه وقت السماع غيره ( واجمع ) أيها الطالب ( ضميره ) أي : التحديث ، فقل : ثنا ( إذا تعددا ) بأن كان معك وقت السماع غيرك .

( و ) كذا اختار في الذي تتحمله عن شيخك في العرض أنك ( إن تسمع ) بقراءة غيرك ( فقل : أخبرنا ) بالجمع ، أو إن تكن ( قارئا ) فقل : ( أخبرني ) بالإفراد ( واستحسنا ) بالبناء للمفعول من فاعله ، فقال ابن الصلاح : وهو حسن رائق .

( ونحوه عن ابن وهب ) ، هو عبد الله ( رويا ) كما عند الترمذي في العلل ، والخطيب في الكفاية ; فإنه قال : ما قلت : ثنا ، فهو ما سمعت مع الناس ، وما قلت : حدثني ، فهو ما سمعت وحدي ، وما قلت : أنا ، فهو ما قرئ على العالم وأنا شاهد ، وما قلت : أخبرني ، فهو ما قرأت على العالم . فاتفق ابن وهب ومن نقل عنهم الحاكم في كون القارئ - كما هو المشهور حسبما صرح به الشارح في النكت - يقول : أخبرني ، وهو محتمل لأن يكون في المنفرد ، ومحتمل مطلقا ، وهو الظاهر .

لكن قد قال ابن دقيق العيد في الاقتراح : إن [ ص: 193 ] القارئ إذا كان معه غيره يقول : أنا ، بالجمع ، فسوى بين مسألتي التحديث والإخبار ، يعني : فإنه إذا سمع جماعة من لفظ الشيخ يقول كل منهم : ثنا .

وفي التسوية نظر ، وإن قال بعض المتأخرين : إنه قياس ظاهر ، على أن السلفي قد كان يأتي بالجمع فيما يقرؤه ولم يسمعه معه غيره ، فيكتب أول الجزء : أنا فلان بقراءتي ، ثم يكتب الطبقة بآخره ، ولا يثبت معه غيره . وقد جاء عن أحمد : إذا كنت وحدك فقل : حدثني ، أو في ملأ فقل : ثنا ، أو قرأت فقل : قرأت عليه ، أو سمعت فقل : قرئ عليه وأنا أسمع . واستحسنه ابن الحاج ، وقال : إنه أبلغ في التحري .

وقال ابن عون : كان ابن سيرين يقول تارة : حدثني أبو هريرة ، وتارة : ثنا ، فقلت له : كيف هذا يا أبا بكر ؟ قال : أكون وحدي فأقول : حدثني ، وأكون مع غيري فأقول : ثنا . أخرجه ابن أبي خيثمة .

وقال شعبة : أخبرني سلمة بن كهيل ، أو أخبر القوم وأنا فيهم ، قال : سمعت سويد بن غفلة قال : خرجت مع زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة فوجدت سوطا ، وذكر حديثا أخرجه مسلم في اللقطة من صحيحه . ( وليس ) ما تقدم من التفصيل ( بالواجب ) عندهم ، و ( لكن رضيا ) بالبناء للمفعول ; أي : استحب عند كافة العلماء كما صرح به الخطيب ; للتمييز بين أحوال التحمل .

[ ص: 194 ] وإلا فقد قال أحمد بن صالح ، وسئل عن الرجل يحدث الرجل وحده : أيقول : ثنا ؟ قال : نعم ، جائز هذا في كلام العرب ، " فعلنا " وإنما هو وحده .

وكذا قال ابن دقيق العيد : اصطلحوا للمنفرد : حدثني بالإفراد ، وإن جاز فيه لغة : " ثنا " بالجمع .

وكذا قال أحمد : لا بأس به ، وقال يحيى بن سعيد القطان : إذا كان أصل الحديث على السماع فلا بأس أن يقول : حدثني وثنا وسمعت وأخبرني وأنا ، في آخرين مصرحين بأنه جائز لمن سمع وحده أن يقول : نا وثنا ، ولمن سمع مع غيره أن يقول : أخبرني وحدثني ونحو ذلك ; لأن المحدث حدثه وحدث غيره .

على أن نسبة الخطيب ما تقدم لكافة العلماء وهم الجميع ، ينازع فيها ما ذكره ابن فارس من أن جماعة ذهبوا إلى أنه إذا حدث المحدث جاز أن يقال : ثنا ، وإن قرئ عليه لم يجز أن يقال : ثنا ولا أنا ، وإن حدث جماعة لم يجز أن يقال : حدثني ، أو حدث بلفظ لم يجز أن يتعداه ، وقال : إنه تشديد لا وجه له ، وكأنه لذلك لم يعتبره الخطيب خلافا .

ثم إن الاستحباب المشار إليه هو فيما إذا تحقق حين التحمل صورة الحال ( و ) أما إن وقع ( الشك في الأخذ ) والتحمل ; أي : من لفظ الشيخ ( أكان وحده ) ، فيأتي بحدثني بالإفراد ( أو ) كان ( مع ) بالإسكان ( سواه ) ، فيأتي بالجمع ( فاعتبار الوحده محتمل ) أي : القول به ; لأن الأصل عدم غيره ، وكذا لو شك في تحمله أهو من قبيل " أنا " ; لكونه بقراءة غيره ، أو أخبرني ; لكونه بقراءته ; حيث مشينا على اختيار الحاكم ومن معه في إفراد الضمير : إذا قرأ [ ص: 195 ] يأتي بالجمع ; لأن سماع نفسه متحقق ، وقراءته شاك فيها ، والأصل أنه لم يقرأ ، وإن سوى ابن الصلاح بين المسألتين في الإتيان بالإفراد .

على أن الخطيب حكى في الكفاية عن البرقاني أنه كان يقول في هذه الصورة : قرأنا ، وهو - كما قال الشارح - حسن ; فإن إفراد الضمير يقتضي قراءته بنفسه ، وجمعه يمكن حمله على قراءة بعض من حضر السماع ; فإنه لو تحقق أن الذي قرأ غيره لا بأس به أن يقول : قرأنا ، قاله أحمد بن صالح حين سئل عنه .

وقال النفيلي : قرأنا على مالك ، مع كونه إنما قرئ عليه وهو يسمع ( لكن رأى ) يحيى بن سعيد ( القطان ) فيما نقله عنه علي بن المديني ( الجمع ) بحدثنا في مسألة تشبه الأولى ، وهي ( فيما ) إذا ( أوهم ) أي : وهم بمعنى شك ( الإنسان في ) لفظ ( شيخه ما ) الذي ( قال ) : حدثني أو حدثنا .

قال ابن الصلاح : ومقتضاه الجمع هناك أيضا ، وهو عندي هنا يتوجه بأن حدثني أكمل مرتبة ، فيقتصر في حالة الشك على الناقص احتياطا ; لأن عدم الزائد هو الأصل ، قال : وهذا لطيف ( والوحدة ) مفعول مقدم ; أي : صيغة [ ص: 196 ] حدثني ( قد اختار في ذا ) الفرع ( البيهقي ) بعد حكايته قول القطان ( واعتمد ) ما اختاره ، وعلله بأنه لا يشك في واحد ، وإنما الشك في الزائد ، فيطرح الشك ويبنى على اليقين . انتهى ، وهو الظاهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية