فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء

424 - وينبغي للشيخ أن يجيز مع إسماعه جبرا لنقص إن وقع      425 - قال ابن عتاب ولا غنى عن
إجازة مع السماع تقرن      426 - وسئل ابن حنبل إن حرفا
أدغمه فقال : أرجو يعفى      427 - لكن أبو نعيم الفضل منع
في الحرف يستفهمه فلا يسع      428 - إلا بأن يروي تلك الشارده
عن مفهم ونحوه عن زائده      429 - وخلف بن سالم قد قال : " نا
إذ فاته حدث " من حدثنا      430 - من قول سفيان وسفيان اكتفى
بلفظ مستمل عن المملي اقتفى      431 - كذاك حماد بن زيد أفتى
استفهم الذي يليك حتى      432 - رووا عن الأعمش كنا نقعد
للنخعي فربما قد يبعد      433 - البعض لا يسمعه فيسأل
البعض عنه ثم كل ينقل      434 - وكل ذا تساهل وقولهم
يكفي من الحديث شمه فهم      435 - عنوا إذا أول شيء سئلا
عرفه وما عنوا تسهلا

السادس : ( وينبغي ) على وجه الاستحباب ; حيث لم ينفك الأمر غالبا عن أحد أمور ، إما خلل في الإعراب أو في الرجال ، أو هذرمة ، أو هينمة ، أو كلام يسير ، أو نعاس خفيف ، أو بعد ، أو غير ذلك ( للشيخ ) المسمع ( أن يجيز ) للسامعين رواية الكتاب أو الجزء أو الحديث الذي رواه لهم ( مع ) إسماعه لهم ( جبرا لنقص ) يصحب السماع ( إن يقع ) بسبب شيء مما ذكر .

وما أحسن قول [ ص: 207 ] ابن الصلاح فيما وجد بخطه لمن سمع منه صحيح البخاري : وأجزت له روايته عني مخصصا منه بالإجازة ما زل عن السمع لغفلة أو سقط عند السماع بسبب من الأسباب . وكذا كان ابن رافع يتلفظ بالإجازة بعد السماع قائلا : أجزت لكم روايته عني سماعا وإجازة لما خالف أصل السماع إن خالف ، بل ( قال ) مفتي قرطبة وعالمها ( ابن عتاب ) بمهملة ثم فوقانية مشددة ، هو أبو عبد الله محمد الجذامي المتوفى في صفر سنة اثنتين وستين وأربعمائة ( 462هـ ) فيما رويناه من طريق ولده أبي محمد عبد الرحمن وأبي علي الغساني عنه ما معناه : ( و ) الذي أقول : إنه ( لا غنى ) [ بالقصر للمناسبة ] ، لطالب العلم ، يعني : في زمنه فما بعده ( عن إجازة ) بذاك الديوان أو الحديث ( مع السماع ) له ( تقرن ) به ; لجواز السهو أو الغفلة أو الاشتباه على الطالب والشيخ معا أو على أحدهما . وكلامه إلى الوجوب أقرب ، وهو الظاهر من حاله ; فإنه كان كثير الاحتياط والورع ، حتى إنه لكون مدار الفتوى عليه كان يخاف عاقبتها ، ويظهر مهابتها ، حتى كان يقول : من يحسدني فيها جعله الله مفتيا ، وددت أني أنجو منها كفافا ، ثم على كاتب الطبقة استحبابا التنبيه على ما وقع من إجازة المسمع فيها ، ويقال : إن أول من كتبها في الطباق الحافظ المتقن تقي الدين أبو الطاهر إسماعيل بن عبد الله بن عبد [ ص: 208 ] المحسن بن الأنماطي المصري الشافعي المتوفى في سنة تسع عشر وستمائة ( 619هـ ) ، وكان دأبه النصح وكثرة الإفادة ، بحيث إنه استجاز لخلق ابتداء منه بدون مسألة من أكثرهم ، وتبعه في هذه السنة الحسنة ; أعني : كتابة الإجازة ، في الطباق من بعده ، وحصل بذلك نفع كثير ، فلقد انقطعت بسبب إهمال ذلك وتركه ببعض البلاد رواية بعض الكتب لكون راويها كان قد فاته ذلك ، ولم يوجد في الطبقة إجازة المسمع للسامعين ، فما أمكن قراءة ذلك الفوت عليه بالإجازة لعدم تحققها ، كما اتفق في أبي الحسن علي بن نصر الله بن الصواف الشاطبي في السنن الصغرى للنسائي لم يأخذوا عنه سوى مسموعه منه على الصفي أبي بكر بن باقا فقط ، هذا مع قرب سماعه من الوقت الذي ابتكر فيه ابن الأنماطي كتابتها ، ولكن لعله لم يكن اشتهر ، على أني قد وقفت على من سبق الأنماطي بذلك في كلام القاضي عياض ، حيث قال : وقفت على تقييد سماع لبعض نبهاء الخراسانيين من أهل المشرق بنحو ما أشار إليه ابن عتاب ، فقال : سمع هذا الجزء فلان وفلان على الشيخ أبي الفضل عبد العزيز بن إسماعيل البخاري ، وأجاز ما أغفل وصحف ولم يصغ إليه أن يروى عنه على الصحة .

قال القاضي : وهذا منزع نبيل في الباب جدا - انتهى .

وتغتفر الجهالة بالقدر الذي أجيز بسببه ، ولا يلزمه الإفصاح بذلك حين [ ص: 209 ] روايته إلا إن أكثر ; لأن المخبر حينئذ أنه سمع كاذب ; لعدم مطابقته للواقع ، ولا تجبر الإجازة مثل هذا . نعم ، إن أطلق الإخبار كان صادقا كما سيأتي في أواخر ثالث أقسام التحمل .

وإنما كره إطلاقه في الإجازة المحضة ; لمخالفته العادة ، أو لإيقاعه تهمة إذا علم أنه لم يسمع أصلا ، وذلك معدوم هنا لا سيما إذا كان السماع مثبتا بغير خطه ; لانتفاء الريبة عنه بكل وجه ، أشار إليه ابن دقيق العيد .

وإذا انتهت مسألة الإجازة التي كان تأخيرها أنسب لتعلق ما قبلها بما بعدها ، ولتكون فرعا مستقلا ، ولكن هكذا هي عند ابن الصلاح .

فاعلم أنه قد تقدم اغتفار الكلمة والكلمتين ، يعني : سواء أخلتا أو إحداهما بفهم الباقي أم لا ; لأن فهم المعنى لا يشترط ، وسواء كان يعرفهما أم لا . والظاهر أن هذا بالنسبة إلى الأزمان المتأخرة ، وإلا ففي غير موضع من كتاب النسائي يقول : وذكر كلمة معناها كذا وكذا ; لكونه فيما يظهر لم يسمعها جيدا وعلمها .

( وسئل ) الإمام أحمد ، هو ( ابن حنبل ) ، من ابنه صالح ; حيث قال له : إن أدمج الشيخ أو القارئ ( إن حرفا ) يعني : لفظا يسيرا ( أدغمه ) فلم يفهمه السامع ; أي : لم يسمعه مع معرفته أنه كذا وكذا ، أترى له أن يرويه عنه ؟ ( فقال : أرجو ) أنه ( يعفى ) عن ذلك ، ولا يضيق الحال عنه ، رواه البيهقي في مناقب أحمد ، فقيد [ ص: 210 ] العفو بكونه يعرفه ، وتمامه : قال صالح : فقلت له : الكتاب قد طال عهده عن الإنسان لا يعرف بعض حروفه ، فيخبره بعض أصحابه ؟ قال : إن كان يعلم أنه كما في الكتاب فلا بأس به .

قال البيهقي : يعني يوقفه على الصواب ، فينظر في الكتاب ويعلم أنه كما قال . ( لكن ) الحافظ ( أبو نعيم الفضل ) بن دكين ( منع ) من سلوكه ( في الحرف ) يعني : في اللفظ اليسير مما يشرد عنه في حال سماعه من سفيان والأعمش الذي ( يستفهمه ) من بعض الحاضرين من أصحابه ( ف ) قال : ( لا يسع ) من وقع له مثله ( إلا بأن ) أي : أن .

( يروي تلك ) الكلمة ( الشارده عن مفهم ) أفهمه إياها من صاحب ( ونحوه ) مروي ( عن زائده ) ، هو ابن قدامة . قال خلف بن تميم : سمعت من سفيان الثوري عشرة آلاف حديث أو نحوها ، فكنت أستفهم جليسي ، فقلت لزائدة ، فقال لي : لا تحدث منها إلا بما تحفظ بقلبك ، وتسمع بأذنك ، قال : فألقيتها . وحكي عن أبي حنيفة مثله .

وكل هذا إن لم يفرق بين من علم بنفسه ، أو استفهم ، أو بأن الأول في الحرف الحقيقي ، والثاني في الكلمة ، يخالف المحكي عن أحمد ( و ) أيضا فأحد الحفاظ المتقنين أبو محمد ( خلف بن سالم ) المخرمي بالتشديد ، نسبة لمحلة [ ص: 211 ] ببغداد ( قد قال : نا ) مقتصرا على النون والألف ; ( إذ فاته حدث من حدثنا من قول ) شيخه ( سفيان ) بن عيينة حين تحديثه عن عمرو بن دينار بخصوصه ، فكان يقال له : قل : حدثنا ، فيمتنع ويقول : إنه لكثرة الزحام عند سفيان لم أسمع شيئا من حروف " ح د ث " . فهذا مخالف لأحمد بلا شك .

هذا ( وسفيان ) شيخه ( اكتفى ب ) سماع ( لفظ مستمل عن ) لفظ ( المملي ) إذ المستملي ( اقتفى ) أي : اتبع لفظ المملي ، وذاك أن أبا مسلم المستملي قال له : إن الناس كثير لا يسمعون ، فقال : أتسمع أنت ؟ قال : نعم ، قال : فأسمعهم .

ولعل سماع خلف لم يكن في الإملاء ( كذاك ) أبو إسماعيل ( حماد بن زيد أفتى ) من استفهمه في حال إملائه ، واستعاده بعض الألفاظ وقال له : كيف قلت ؟ فقال : ( استفهم الذي يليك ) ، وهذا هو الذي عليه العمل بين أكابر المحدثين الذين كان يعظم الجمع في مجالسهم جدا ، ويجتمع فيها الفئام من الناس بحيث يبلغ عددهم ألوفا مؤلفة ، ويصعد المستملون على الأماكن المرتفعة ، ويبلغون عن المشايخ ما يملون ، أن من سمع المستملي دون سماع لفظ المملي جاز له أن يرويه عن المملي ، يعني بشرط أن يسمع المملي لفظ المستملي ، وإن أطلقه ابن الصلاح كالعرض سواء ; لأن المستملي في حكم القارئ على المملي ، [ ص: 212 ] وحينئذ فلا يقال في الأداء لذلك : سمعت فلانا ، كما تقدم في العرض ، بل الأحوط بيان الواقع كما فعله البخاري وابن خزيمة وغيرهما من الأئمة ممن كان يقول : وثبتني فيه بعض أصحابنا ، أو وأفهمني فلان بعضه ، حسبما يجيء مبسوطا في آخر الفصل السادس من صفة رواية الحديث وأدائه . ولقصد السلامة من إغفال لفظ المملي ، قال محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي : ما كتبت قط من في المستملي ، ولا التفت إليه ، ولا أدري أي شيء يقول ، إنما كنت أكتب عن في المحدث ، وكذا تورع آخرون وشددوا في ذلك .

قال ابن كثير : وهو القياس ، والأول أصلح للناس ( حتى ) إنهم ( رووا عن ) سليمان بن مهران ( الأعمش ) الحافظ الحجة ، أنه قال : ( كنا نقعد للنخعي ) إبراهيم بن يزيد أحد فقهاء التابعين حين تحديثه ، والحلقة متسعة .

( فربما قد يبعد البعض ) ممن يحضر ( ولا يسمعه فيسأل ) ذلك البعيد ( البعض ) القريب من الشيخ [ ( عنه ) عما قال الشيخ ] ( ثم كل ) ممن سمع من الشيخ أو رفيقه ( ينقل ) كل ذلك عن الشيخ بلا واسطة ( وكل ذا ) أي : رواية ما لم يسمعه إلا من رفيقه أو المستملي عن لفظ الشيخ ( تساهل ) ممن فعله ، ولذا كان أبو نعيم الفضل وغيره كما تقدم لا يرون له التحديث بما استفهمه إلا عن المفهم ، ولا يعجب أبا نعيم - كما قاله [ ص: 213 ] أبو زرعة عنه - صنيعهم هنا ، ولا يرضى به لنفسه .

( وقولهم ) كالحافظ أبي عبد الله بن منده تبعا للإمام عبد الرحمن بن مهدي : ( يكفي ) من سماع ( الحديث شمه ) الذي رويناه في الوصية لأبي القاسم بن منده من طريق عبد الله بن محمد بن سنان : سمعت بندارا يقول : سمعت ابن مهدي يقول : أصحاب الحديث يكفيهم الشم .

( فهم ) أي : القائلون ذلك - كما قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ ، حسبما نقله عبد الغني بن سعيد الحافظ عنه - إنما ( عنوا ) به ( إذا أول شيء ) أي : طرف حديث ( سئلا ) عنه المحدث ( عرفه ) ، واكتفى بطرفه عن ذكر باقيه ، فقد كان السلف يكتبون أطراف الحديث ليذاكروا الشيوخ فيحدثوهم بها .

قال محمد بن سيرين : كنت ألقى عبيدة بن عمرو السلماني بالأطراف . وقال إبراهيم النخعي : لا بأس بكتابة الأطراف ( وما عنوا ) به ( تسهلا ) في التحمل ولا الأداء . وميل ابن دقيق العيد من هذا كله لما ذهب إليه الفضل وزائدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية