فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء

436 - وإن يحدث من وراء ستر عرفته بصوت أو ذي خبر      437 - صح وعن شعبة لا ترو ، لنا
إن بلالا وحديث أمنا

[ السابع ] السادس بل السابع باعتبار إفراد مسألة الإجازة : ( وإن يحدث من وراء ستر ) إزار أو جدار أو نحو ذلك من ( عرفته ) إما ( بصوت ) ثبت لك أنه صوته بعلمك ( أو ) بإخبار ( ذي خبر ) به ممن تثق بعدالته وضبطه أن هذا صوته ; [ ص: 214 ] حيث كان يحدث بلفظه ، أو أنه حاضر إن كان السماع عرضا .

( صح ) على المعتمد ، بخلاف الشهادة على الأشهر ، وإن كان العمل على خلافه ; لأن باب الرواية أوسع . وكما أنه لا يشترط رؤيته له كذلك لا يشترط تمييز عينه من بين الحاضرين من باب أولى ، وإن قال أبو سعد السمعاني ما نصه : سمعت أبا عبد الله الفراوي يقول : كنا نسمع بقراءة أبي مسند أبي عوانة على أبي القاسم القشيري ، فكان يخرج في أكثر الأوقات وعليه قميص أسود خشن وعمامة صغيرة ، وكان يحضر معنا رجل من المحتشمين ، فيجلس بجانب الشيخ ، فاتفق انقطاعه بعد قراءة جملة من الكتاب ، ولم يقطع أبي القراءة في غيبته ، فقلت له لظني أنه هو المسمع : يا سيدي على من تقرأ والشيخ ما حضر ؟ فقال : كأنك تظن أن شيخك هو المحتشم ، قلت له : نعم ، فضاق صدره واسترجع وقال : يا بني ، إنما شيخك هذا القاعد . ثم علم ذلك المكان حتى أعاد لي من أول الكتاب إليه .

( وعن شعبة ) بن الحجاج أنه قال : ( لا ترو ) عمن يحدثك ممن لم تر وجهه ، فلعله شيطان قد تصور في صورته يقول : ثنا وأنا . وهو وإن أطلق الصورة إنما أراد الصوت ، ووجه هذا أن الشياطين أعداء الدين ، ولهم قوة التشكل في الصور فضلا عن الأصوات ، فطرق احتمال أن يكون هذا الراوي شيطانا ، [ ص: 215 ] ولكن هذا بعيد ، لا سيما ويتضمن عدم الوثوق بالراوي ولو رآه ، لكن قال بعض المتأخرين : كأنه يريد حيث لم يكن معروفا ، فإذا عرف وقامت عنده قرائن أنه فلان المعروف ، فلا يختلف فيه . وعلى كل حال ، فقد قال ابن كثير : إنه عجيب وغريب جدا - انتهى .

والحجة ( لنا ) في اعتماد الصوت حديث ابن عمر رفعه : ( إن بلالا ) يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم ) ) ، كما ذكره عبد الغني بن سعيد الحافظ ، حيث أمر الشارع بالاعتماد على صوته مع غيبة شخصه عمن يسمعه ، وقد يخدش فيه بأن الأذان لا قدرة للشياطين على سماع ألفاظه ، فكيف بقوله .

( و ) لكن من الحجة لنا أيضا ( حديث أمنا ) ، معاشر المؤمنين ، عائشة وغيرها من الصحابيات رضي الله عنهن من وراء الحجاب ، والنقل لذلك عنهن ممن سمعه ، والاحتجاج به في الصحيح إلى غير ذلك من الأدلة .

وقد ترجم البخاري في صحيحه شهادة الأعمى ، وأمره ، ونكاحه ، وإنكاحه ، ومبايعته ، وقبوله في التأذين وغيره ، وما يعرف من الأصوات ، وأورد من الأدلة لذلك حديث المسور بن مخرمة : قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم أقبية ، فقال لي أبي : انطلق بنا إليه عسى أن يعطينا منها شيئا ، فقام أبي على الباب فتكلم ، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم صوته ، فخرج ومعه قباء ، وهو يريه محاسنه ، وهو يقول : ( ( خبأت هذا لك ، خبأت هذا لك ) ) .

وحديث عائشة : تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي ، فسمع صوت عباد يصلي في المسجد ، فقال : ( ( يا عائشة ، أصوت عباد هذا ؟ ) ) قلت : نعم . الحديث .

وقول سليمان بن يسار : استأذنت على عائشة ، فعرفت صوتي قالت : سليمان ؟ [ ص: 216 ] ادخل . إلى غيرها . على أن ابن أبي الدم قال : إن قول شعبة محمول على احتجاب الراوي من غير عذر مبالغة في كراهة احتجابه ، أما النساء فلا خلاف في جواز الرواية عنهن مع وجوب احتجابهن - انتهى .

ومقتضاه عدم جواز النظر إليهن للرواية ، وفيه نظر ; حيث لم تمكن معرفتها بدونه ، وعلى اعتماده فهي تخالف الشهادة ; حيث يجوز النظر للمرأة بل يجب ، ولا يكفي الاعتماد على صوتها كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية