فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء

438 - ولا يضر سامعا أن يمنعه الشيخ أن يروي ما قد سمعه      439 - كذلك التخصيص أو رجعت
ما لم يقل أخطأت أو شككت

الثامن : ( ولا يضر سامعا ) ممن سمع لفظا أو عرضا ( أن يمنعه الشيخ ) المسمع بعد الفراغ من السماع أو قبله ( أن يروي ) عنه ( ما قد سمعه ) منه ، بأن يقول له لا لعلة أو ريبة في المسموع أو إبداء مستند سوى المنع اليابس : لا تروه عني ، أو ما أذنت لك في روايته عني ، ونحو ذلك ، بل يسوغ له روايته عنه كما صرح به غير واحد من الأئمة ; منهم ابن خلاد في المحدث الفاصل في مسألتنا ، بل زاد ابن خلاد مما قال به أيضا ابن الصباغ كما سيأتي في سادس أقسام التحمل أنه لو قال له : هذه روايتي لكن لا تروها عني ولا أجيزها لك ، لم يضره ذلك .

وتبعه القاضي عياض فقال : وما قاله صحيح ، لا يقتضي النظر سواه ; لأنه قد حدثه ، وهو شيء لا يرجع فيه ، فلا يؤثر منعه ، قال : ولا أعلم مقتدى به قال خلاف هذا في تأثير منع الشيخ ورجوعه عما حدث به من حدثه ، وأن ذلك يقطع سنده عنه ، إلا أني قرأت في كتاب الفقيه أبي بكر بن أبي عبد الله المالكي في طبقات [ ص: 217 ] علماء أفريقية نقل عن شيخ من جلة شيوخها أنه أشهد بالرجوع عما حدث به بعض أصحابه لأمر نقمه عليه ، وكذلك فعل مثل هذا بعض من لقيناه من مشايخ الأندلس المنظور إليهم ، وهو الفقيه المحدث أبو بكر بن عطية ; حيث أشهد بالرجوع عما حدث به بعض جماعته لهوى ظهر له منه ، وأمور أنكرها عليه . ولعل هذا صدر منهم تأديبا وتضعيفا لهم عند العامة ، لا لأنهم اعتقدوا صحة تأثيره .

وقياس من قاس الرواية هنا على الشهادة غير صحيح ; لأن الشهادة على الشهادة لا تصح إلا مع الإشهاد ، لا كذلك الرواية ; فإنها متى صح السماع صحت بغير إذن من سمع منه - انتهى .

وإن روي عن بشير بن نهيك قال : كنت آتي أبا هريرة فأكتب عنه ، فلما أردت فراقه أتيته فقلت : هذا حديثك أحدث به عنك ؟ قال : نعم . فقد قال الخطيب : إنه غير لازم . وصرح غيره بالاتفاق . ويلحق بالسمع في ذلك المجاز أيضا ، وما أعلمه بأنه مرويه مما لم يجزه به صريحا كما تقدم قريبا .

وكذلك لا يضر ( التخصيص ) من الشيخ لواحد فأكثر بالسماع إذا سمع هو ، سواء علم الشيخ بسماعه أو لم يعلم من باب أولى ، كما صرح بالحكم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني إذا سأله أبو سعد عبد الرحمن بن الحسن بن عليك النيسابوري عنه في جملة من الأسئلة عندي في جزء مفرد ، وعمل به النسائي والسلفي وآخرون .

بل ولو صرح بقوله : أخبركم ولا أخبر فلانا ، لم يضره ، ولكنه لا يحسن في [ ص: 218 ] الأداء أن يقول : حدثني ونحوها مما يدل على أن الشيخ رواه كما أسلفته في أول أقسام التحمل .

وكذا لا يضر الرجوع بالكناية وما أشبهها ( أو ) بالتصريح كأن يقول : ( رجعت ) ونحوها مما لا ينفي أنه من حديثه كما سلف في كلام القاضي عياض في المسألة الأولى ( ما لم يقل ) مع ذلك : ( أخطأت ) فيما حدثت به ، أو تزيدت ( أو شككت ) في سماعه أو نحو ذلك ، كما فعل شيخنا رحمه الله ; إذ سمعنا عليه ذم الكلام للهروي ، حيث قال : أذنت لكم في روايته عني ما عدا كذا وكذا . فإنه والحالة هذه ليس له أن يرويه عنه ، ثم إنه لو أراد الشيخ إسماعه بعد قوله : تزيدت أو أخطأت ، كان قدحا فيه بخلاف قوله : شككت .

التالي السابق


الخدمات العلمية