فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
الثالث : الإجازة


440 - ثم الإجازة تلي السماعا ونوعت لتسعة أنواعا      441 - أرفعها بحيث لا مناوله
تعيينه المجاز والمجاز له      442 - وبعضهم حكى اتفاقهم على
جواز ذا وذهب الباجي إلى      443 - نفي الخلاف مطلقا وهو غلط
قال والاختلاف في العمل قط      444 - ورده الشيخ بأن للشافعي
قولان فيها ثم بعض تابعي      445 - مذهبه القاضي الحسين منعا
وصاحب الحاوي به قد قطعا      446 - قالا كشعبة ولو جازت إذن
لبطلت رحلة طلاب السنن      447 - وعن أبي الشيخ مع الحربي
إبطالها كذاك للسجزي [ ص: 219 ]      448 - لكن على جوازها استقرا
عملهم والأكثرون طرا      449 - قالوا به ، كذا وجوب العمل
بها وقيل لا كحكم المرسل

القسم ( الثالث ) من أقسام التحمل ( الإجازة ) ، وهي مصدر ، وأصلها إجوازة ، تحركت الواو وتوهم انفتاح ما قبلها ، فانقلبت ألفا ، وحذفت إحدى الألفين إما الزائدة أو الأصلية ، بالنظر لاختلاف سيبويه والأخفش ; لالتقاء الساكنين ، فصارت إجازة .

وترد في كلام العرب للعبور ، والانتقال ، وللإباحة القسيمة للوجوب والامتناع ، وعليه ينطبق الاصطلاح ; فإنها إذن في الرواية لفظا أو كتبا تفيد الإخبار الإجمالي عرفا .

وقال القطب القسطلاني : إنها مشتقة من التجوز ، وهو التعدي ، فكأنه عدى روايته حتى أوصلها للراوي عنه . وقال أبو عبد الله محمد بن سعيد بن الحجاج : إن اشتقاقها من المجاز ، فكأن القراءة والسماع هو الحقيقة ، وما عداه مجاز . والأصل الحقيقة ، والمجاز حمل عليه ، ويقع أجزت متعديا بنفسه وبحرف الجر كما سيأتي في لفظ الإجازة وشرطها .

( ثم الإجازة تلي السماعا ) عرضا على المعتمد المشهور ، وقيل : بل هي أقوى منه ; لأنها أبعد من الكذب ، وأنفى عن التهمة وسوء الظن والتخلص من الرياء والعجب . قاله أبو القاسم عبد الرحمن بن منده ، بل كان يقول : ما حدثت بحديث إلا على سبيل الإجازة ، حتى لا أوبق فأدخل في كتاب [ ص: 220 ] أهل البدعة . ونحوه قول أحمد بن ميسر كما سيأتي قريبا .

وقيل : هما سواء ، قاله بقي بن مخلد ، وتبعه ابنه أحمد وحفيده عبد الرحمن فيما حكاه ابن عات عنهم ، ونحوه قول أبي طلحة منصور بن محمد المروزي الفقيه : سألت أبا بكر بن خزيمة الإجازة لما بقي علي من تصانيفه ، فأجازها لي ، وقال : الإجازة والمناولة عندي كالسماع الصحيح ، وهو محتمل في إرادة الإجازة المجردة ، والأظهر أنه أراد المقترنة بالمناولة .

وخص بعضهم الاستواء بالأزمان المتأخرة التي حصل التسامح فيها في السماع بالنسبة للمتقدمين ; لكونه آل لتسلسل السند ; إذ هو حاصل بالإجازة ، إلا إن وجد عالم بالحديث وفنونه وفوائده ، ومع ذلك فالسماع إنما هو حينئذ أولى ; لما يستفاد من المسمع وقت السماع ، لا لمجرد قوة رواية السماع على الإجازة .

ويتأيد هذا التفصيل بقول أبي بكر أحمد بن محمد بن خالد بن ميسر الإسكندري المالكي كما رواه أبو العباس الوليد بن بكر الأندلسي شيخ [ ص: 221 ] الحافظ أبي ذر عبد بن أحمد الهروي في كتابه ( الوجازة في صحة القول بالإجازة ) عن أحمد بن محمد بن سهل العطار عنه : الإجازة عندي على وجهها خير وأقوى في النقل من السماع الردي ، وبعضهم بما إذا تعذر السماع .

وكلام ابن فارس الآتي قد يشير إليه ، والحق أن الإجازة دون السماع ; لأنه أبعد عن التصحيف والتحريف ، وقد ( نوعت لتسعة ) بتقديم المثناة ( أنواعا ) أي : من الأنواع مع كونها متفاوتة أيضا ، وإنما اقتصر على هذا العدد لمسيس الحاجة إليه ، وإلا فتتركب منها أنواع أخر ستأتي ، أشار إليه ابن الصلاح آخر الأنواع ، هذا مع إدراجه الخامس في الرابع ، والسابع في السادس ، بحيث كانت الأنواع عنده سبعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية