فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء

458 - والرابع الجهل بمن أجيز له أو ما أجيز ، كأجزت أزفله      459 - بعض سماعاتي كذا إن سمى
كتابا أو شخصا وقد تسمى      460 - به سواه ، ثم لما يتضح
مراده من ذاك فهو لا يصح      461 - أما المسمون مع البيان
فلا يضر الجهل بالأعيان      462 - وتنبغي الصحة إن جملهم
من غير عد وتصفح لهم

( و ) النوع ( الرابع ) من أنواع الإجازة : ( الجهل بمن أجيز له ) من الناس ( أو ) ب ( ما أجيز ) به من المروي ، فالأول ( كأجزت ) بعض الناس ، أو ( أزفله ) بفتح الهمزة وإسكان الزاي وفتح الفاء ثم لام مفتوحة وهاء التأنيث ، الجماعة من الناس . والثاني : كأجزت فلانا ( بعض سماعاتي ) ، و ( كذا ) من هذا النوع مما هو جهل بالتعيين ( إن سمى ) المجيز ( كتابا أو ) بالنقل ( شخصا وقد تسمى به ) أي : بذاك الكتاب أو الشخص .

( سواه ) ، مثل أن يقول : أجزت لك أن تروي عني كتاب السنن ، وفي مروياته عدة كتب يعرف كل منها بالسنن ; كأبي داود والدارقطني والبيهقي وغيرهم ، أو يقول : أجزت محمد بن عبد الله الأنصاري ، وفي ذلك الوقت جماعة مشتركون في هذا الاسم ، وقد تكون الجهالة فيهما معا ، كأن يقول : أجزت جماعة بعض مسموعاتي ، أو أجزت محمد بن عبد الله الأنصاري كتاب السنن .

( ثم لما ) أي : لم ( يتضح مراده ) أي : المجيز ( من ذاك ) كله بقرينة ( فهو ) أي : هذا النوع ( لا يصح ) للجهل في هذه الصور كلها عند السامع ، وعدم التمييز فيه ، وكونه مما لا سبيل لمعرفته وتمييزه .

وممن صرح بذلك في الصورة الأولى عياض ، فقال : قوله : أجزت لبعض الناس ، أو لقوم ، أو لنفر لا غير ، لا تصح الرواية به ، ولا تفيد هذه الإجازة ; إذ لا [ ص: 251 ] سبيل إلى معرفة هذا المبهم ولا تعيينه .

وصرح ابن الصلاح في الصورة الثانية بقوله : فهذه إجازة فاسدة لا فائدة فيها . وكذا جزم النووي بعدم الصحة فيها في زوائد الروضة عقب آداب القضاء قبيل القضاء على الغالب في مستند قضائه . نعم ، إن اتضح مراده فيها بقرينة كأن يقال له : أجزت لمحمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري ؟ بحيث لا يلتبس مع غيره ممن اشترك معه في اسمه واسم أبيه ونسبته ، فيقول : أجزت لمحمد بن عبد الله الأنصاري ، أو يقال له : أجزت لي كتاب السنن لأبي داود ؟ فيقول : أجزت لك رواية السنن ، أو يقال له : أجزت للجماعة المقيمين بمسجد كذا ؟ فيقول : أجزت الجماعة ، فالظاهر صحة هذه الإجازة ، وينزل على المسئول فيه بقرينة سبق ذكره .

( أما ) الجماعة ( المسمون ) المعينون في استدعاء أو غيره ( مع البيان ) لأنسابهم وشهرهم ، بحيث يزول الاشتباه عنهم ، ويتميزون من غيرهم على العادة الشائعة في ذلك ( فلا يضر ) والحالة هذه ( الجهل ) من المجيز ( بالأعيان ) ، وعدم معرفته بهم ، والإجازة صحيحة ، كما أنه لا يشترط معرفة المسمع عين السامع الذي سمع منه ، وإن أشعر ما حكيته في سابع التفريعات التي قبل الإجازة عن بعضهم بخلافه ; إذ لا فرق بين السامع والمسمع في ذلك ، وكذا الواحد المسمى المعين ممن يجهل المجيز عينه من باب أولى . وممن نص على أنه لا تضر [ ص: 252 ] جهالته عين من سمى له عياض .

( وتنبغي الصحة إن جملهم ) أي : جمعهم بالإجازة ( من غير ) حصر في ( عد ، و ) من غير ( تصفح لهم ) واحدا واحدا ; قياسا على السماع ، وإن توقف بعضهم في القياس من أجل أنه لا يلزم من كون قسم السماع لم يتأثر بذلك أن تكون الإجازة كذلك ; لإمكان ادعاء القدح في الإجازة دون السماع ، فالقياس ظاهر ; لأنه إذا صح في السماع الذي الأمر فيه أضيق ; لكونه لا يكون لغير الحاضر مع الجهل بعينه ، فصحته مع ذلك في الإجازة التي الأمر فيها أوسع ; لكونها للحاضر وللغائب ، من باب أولى .

ثم إنه قد نوزع في الفرق بين الصورة الأولى من هذا النوع ، وهي من لم يسم أصلا ، وبين من سمي في الجملة مما بعدها مع اشتراك الكل في الإبهام .

والجواب أن الاشتراك إنما هو في مطلق الجهالة والإبهام ، وإلا فهو في ذاك شديد ; لخفائه عن كل أحد ، بخلافه هنا فهو عند سامعه فقط ، ولا يلزم من الحكم بشيء في قوي وصف الحكم بمثله في ضعيف ذلك الوصف ، [ وإن كان الظن بالمجيز معرفته في الأولى ; لتعذر البحث عن تعيينه ] ، وكذا بحث بعضهم في صحته في الأولى حملا له على العموم ، يعني حيث صححنا الإجازة العامة ; إذ اللفظ صالح ، ولا مانع من حمله عليه ، وفيه نظر ; إذ لم نستفد تعيين الجماعة بخلاف العموم ، ولكن قد ذكر ابن الصلاح في فتاواه فيما إذا قالت المرأة : أذنت للعاقد بهذا البلد أن يزوجني ، ولم تقم قرينة على إرادة واحد معين ، أنه يجوز لكل عاقد أن يزوجها ، وقد يفرق بينهما [ بجهالة الجماعة لتنكيرها بخلاف العاقد ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية