فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء

470 - والسادس الإذن لمعدوم تبع كقوله : أجزت لفلان مع      471 - أولاده ونسله وعقبه
حيث أتوا أو خصص المعدوم به      472 - وهو أوهى ، وأجاز الأولا
ابن أبي داود ، وهو مثلا      473 - بالوقف ، لكن أبا الطيب رد
كليهما وهو الصحيح المعتمد      474 - كذا أبو نصر وجاز مطلقا
عند الخطيب ، وبه قد سبقا      475 - من ابن عمروس مع الفراء
وقد رأى الحكم على استواء      476 - في الوقف أي في صحة من تبعا
أبا حنيفة ومالكا معا

( و ) النوع ( السادس ) من أنواع الإجازة : ( الإذن ) أي : الإجازة ( لمعدوم ) ، وهو على قسمين ، إما لمعدوم ( تبع ) لموجود عطف عليه أو أدرج فيه ( كقوله : أجزت ) الكتاب الفلاني أو مروياتي ( لفلان ) الفلاني ( مع أولاده ونسله وعقبه حيث أتوا ) في حياة المجيز وبعده ، وكذا : أجزت لك ، ولمن يولد لك ، ولطلبة العلم ببلد كذا متى كانوا ، [ ( أو ) غير تبع بأن ] ( خصص ) المجيز ( المعدوم به ) أي : بالإذن ، ولم يعطفه على موجود سابق ، كقوله : أجزت لمن يولد لفلان الفلاني ، [ ص: 260 ] وهذا القسم الثاني ( وهو أوهى ) وأضعف من الذي قبله ، وذاك أقرب إلى الجواز ( و ) لذا ( أجاز الأولا ) خاصة ( ابن ) الحافظ الشهير ( أبي داود ) السجستاني ، وهو الحافظ أبو بكر عبد الله ، بل فعله فقال : أجزت لك ولأولادك ولحبل الحبلة .

قال الخطيب : يعني الذين لم يولدوا بعد ، قال : ولم أجد لأحد من الشيوخ المحدثين في ذلك قولا ، ولا بلغني عن المتقدمين سواه فيه رواية .

قال البلقيني : ويحتمل أن ذلك وقع منه على سبيل المبالغة وتأكيد الإجازة ، لا أنه أراد حقيقة اللفظ .

قلت : لكن قد عزى شيخنا لأبي عبد الله بن منده استعمالها ، وابن الصباغ جوازها لقوم ( وهو مثلا ) أي : شبه ( بالوقف ) على المعدوم حيث صح فيما كان معطوفا على موجود كما قال به أصحاب الشافعي ، وكذا بالوصية عن الشافعي نفسه ; فإنه في وصيته المكتتبة في الأم أوصى فيها أوصياء على أولاده الموجودين ، ومن يحدثه الله له من الأولاد ، ولا شك أن يغتفر في التبع والضمن ما لا يغتفر في الأصل ، أما الوقف على المعدوم ابتداء ، كعلى من سيولد لفلان ، فلا على المذهب ; لأنه منقطع الأول ، و ( لكن ) القاضي ( أبا الطيب ) طاهرا الطبري ( رد كليهما ) أي : القسمين مطلقا فيما حكاه عنه صاحبه الخطيب الحافظ ، [ ص: 261 ] وكذا منعه الماوردي فيما حكاه عياض ( وهو الصحيح المعتمد ) الذي لا ينبغي غيره ; لأن الإجازة في حكم الإخبار جملة بالمجاز على ما قرر في النوع الأول ، فكما لا يصح الإخبار للمعدوم لا تصح الإجازة له ، بل ولو قدرنا أن الإجازة إذن لا يصح ذلك أيضا كالوكالة للمعدوم ; لوقوعه في حالة يتعذر فيها المأذون فيه من المأذون له .

وأيضا فكما قال بعض المتأخرين : يلزم من الجواز أن يتصل الرواية في بعض صور هذا النوع بين شخصين في السند من غير واسطة ولا لقي ولا إدراك عصر ، ومثل هذا غير معقول ، وساقط عن درجة الاعتبار ، ولم نر من صرح باستثناء هذه الصورة ، وعلى كل حال فهو مما يتقوى به الرد ، و ( كذا ) ردها ( أبو نصر ) هو ابن الصباغ ، وبين بطلانها ، وقال : إنما ذهب إليه من يعتقد أن الإجازة إذن في الرواية لا محادثة ، يعني : فلا يشترط فيه الوجود ، وقد تقدم قريبا رده وإن قلنا : إنها إذن ( و ) لكن ( جاز ) الإذن للمعدوم ( مطلقا عند ) الحافظ أبي بكر ( الخطيب ) ، قياسا على صحة الإجازة كما قاله عياض ; فإنه قال : وإذا صحت الإجازة مع عدم اللقاء ، وبعد الديار ، وتفرق الأقطار فكذلك مع عدم اللقاء ، وبعد الزمان ، وتفرق الأعصار .

وخرجه بعض المتأخرين من المغاربة على مذهب الجمهور وأهل الحق في جواز تعلق الأمر بالمعدوم خلافا للمعتزلة ، قال : وإذا جاز فيه فهنا أولى وأحرى . وفي القياس توقف ، ثم إن ما ذكر في استلزامه رواية الرواية عمن يدركه ولا عاصره قد أشار إليه الخطيب ; فإنه قال : فإن قيل : كيف يصح أن يقول : أجاز فلان لي ، ومولده بعد موت المجيز بزمان بعيد ، قيل : كما يجوز أن يقول : [ ص: 262 ] وقف فلان علي ، وإن كان موت الواقف قبل مولده بزمان بعيد ، ولأن بعد أحد الزمانين من الآخر كبعد أحد الوطنين من الآخر ، فلو أجاز من مسكنه بالشرق لمن يسكن بالغرب صح وجاز أن يقول المجاز له : أجاز لي فلان ، وإن لم يلتقيا ، فكذلك إذا أجاز لمن يولد بعده يجوز أن يقول : أجاز لي فلان ، وإن لم يتعاصرا . وفيه نظر ; فإن عدم الاجتماع في الزمان يلزم في المكان ، ولا عكس ، وكأنه نظر إلى أن المقصود بلوغ الخبر بالإذن ، وهو حاصل فيهما ( وبه ) أي : بالجواز مطلقا ( قد سبقا ) أي : الخطيب ( من ) جماعة ( كابن عمروس ) المالكي ( مع ) أبي يعلى بن ( الفراء ) الحنبلي ، والقاضي أبي عبد الله الدامغاني الحنفي وأبي الطيب الطبري الشافعي فيما سمعه منه الخطيب قديما قبل أن يقول ما تقدم ، وكذا أجازه غيره من الشافعية ، بل قال عياض : إنه أجازه معظم الشيوخ المتأخرين ، قال : وبهذا استمر عملهم بعد شرقا وغربا - انتهى .

وجزم شيخنا بأنه لا يعرف في المشارقة ، وبعدم الصحة في القسم الثاني ، وبأنه الأقرب في الأول أيضا ( وقد رأى الحكم على استواء في الوقف أي في صحة ) أي : رأى صحة الوقف في القسمين معظم ( من تبعا أبا حنيفة ) بالصرف [ وبعدمه ، لكن مع الخبل ] ( ومالكا ) رحمهما الله . . . . . . . . . . . . . [ ص: 263 ] ( معا ) ، فيلزمهم القول به في الإجازة من باب أولى ; لأن أمرها أوسع من الوقف الذي هو تصرف مالي ، إلا أن يفرقوا بين البابين بأن الوقف ينتقل إلى الثاني عن الأول ، وإلى الثالث عن الثاني ، بخلاف الإجازة ، فهي حكم يتعلق بالمجيز والمجاز له حسب ما حكاه الخطيب عن بعض أصحابه ، ونحوه ما قيل : إن الوقف يئول غالبا إلى المعدوم حين الإيقاف بخلاف الإجازة ، لا سيما وقد سلف عن أبي حنيفة القول ببطلان أصل الإجازة ، وتبعه من مقلديه الدباس ، وكذا أبو يوسف في أحد القولين ، وهو أشهرهما عن مالك ، [ ولكن المعتمد إلحاق ما بعد البطن الأول به في التلقي من الواقف . وفي الفرق الثاني نظر ، وقد قال الخطيب : إنه لا فرق بينهما عندي ، وقد صنف في هذه المسألة جزءا .

التالي السابق


الخدمات العلمية