فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء

477 - والسابع الإذن لغير أهل للأخذ عنه كافر أو طفل      478 - غير مميز وذا الأخير
رأى أبو الطيب والجمهور      479 - ولم أجد في كافر نقلا بلى
بحضرة المزي تترا فعلا      480 - ولم أجد في الحمل أيضا نقلا
وهو من المعدوم أولى فعلا      481 - وللخطيب لم أجد من فعله
قلت : رأيت بعضهم قد سأله      482 - مع أبويه فأجاز ولعل
ما أصفح الأسماء فيها إذ فعل [ ص: 264 ]      483 - وينبغي البنا على ما ذكروا
هل يعلم الحمل وهذا أظهر

( و ) النوع ( السابع ) من أنواع الإجازة : ( الإذن ) أي : الإجازة ( لغير أهل ) حين الإجازة ( للأخذ عنه ) وللأداء ( كافر ) أو فاسق أو مبتدع أو مجنون ( أو طفل غير مميز ) تمييزا يصح أن يعد معه سامعا ( وذا الأخير ) أي : الإجازة للطفل ، وهو الذي اقتصر ابن الصلاح بالتصريح مما ذكرناه عليه مع كونه لم يفرده بنوع ، وإنما ذكره ذيل مسألة الإجازة للمعدوم ( رأى ) أي : رآه صحيحا مطلقا ، القاضي ( أبو الطيب ) الطبري ، حيث سأله صاحبه الخطيب عن ذلك ، وفرق بينه وبين السماع بأن الإجازة أوسع ; فإنها تصح للغائب بخلاف السماع ( و ) كذا رآه ( الجمهور ) ، وحكاه السلفي عمن أدركه من الشيوخ والحفاظ ، وسبقه لذلك الخطيب ، فإنه قال : وعلى هذا رأينا كافة شيوخنا يجيزون للأطفال الغيب عنهم من غير أن يسألوا عن مبلغ أسنانهم ، وحال تمييزهم .

واحتج الخطيب لذلك بأن الإجازة إنما هي إباحة المجيز الرواية للمجاز له ، والإباحة تصح لغير المميز ، بل وللمجنون ، يعني لعدم افتراقهما في غالب الأحكام .

قال ابن الصلاح : وكأنهم رأوا الطفل أهلا لتحمل هذا النوع الخاص ليؤدي به بعد حصول أهليته ; حرصا على توسع السبيل إلى بقاء الإسناد الذي اختصت به هذه [ ص: 265 ] الأمة ، وتقريبه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والقول الثاني ، وحكاه الخطيب عن بعض الأصحاب : البطلان ، وكذا أبطلها الشافعي رحمه الله لمن لم يستكمل سبع سنين كما تقدم في " متى يصح التحمل " .

قال ابن زبر : وهو مذهبي . وكأن الضبط به ; لأنه مظنة التمييز غالبا . وهذا القول لازم من ذهب إلى اشتراط كون المجاز عالما كما سيأتي في لفظ الإجازة قريبا مع ما فيه ، وأما باقي الصور التي لم يذكرها ابن الصلاح فالمجنون ، قد علم الحكم فيه قريبا من كلام الخطيب .

قال الناظم : ( ولم أجد في ) الإجازة ل ( كافر نقلا ) مع تصريحهم بصحة سماعه ( بلى ) أي : نعم ( بحضرة ) الحافظ الحجة أبي الحجاج ( المزي ) بكسر الميم نسبة للمزة قرية من دمشق ( تترا ) أي : متتابعا ( فعلا ) حيث أجاز ابن عبد المؤمن الصوري لابن الديان حال يهوديته في جملة السامعين جميع مروياته ، وكتب اسمه في الطبقة ، وأقره المزي المذكور ، بل وأجازه ابن تيمية كما قدمت كل ذلك في " متى يصح التحمل " ، وإذا جاز في الكافر فالفاسق والمبتدع من باب أولى .

( و ) كذا ( لم أجد في ) إجازة ( الحمل ) ، سواء نفخ فيه الروح أم لم ينفخ ، عطف على موجود كأبويه مثلا أو لم يعطف ( أيضا نقلا وهو ) أي : جواز الإجازة له ( من ) جواز إجازة ( المعدوم أولى فعلا ) بلا شك ، لا سيما إذا أنفخ فيه [ ص: 266 ] الروح ، ويشهد له تصحيحهم الوصية للحمل ، وإيجاب النفقة على الزوج لمطلقته الحامل ; حيث قلنا : إنها لأجله تنزيلا له منزلة الموجود . ( وللخطيب ) مما يتأيد به عدم النقل في الحمل ( لم أجد من فعله ) أي : أجاز الحمل مع كونه ممن يرى - كما تقدم - صحة الإجازة للمعدوم .

( قلت ) : قد ( رأيت بعضهم ) ، وهو أحد شيوخه المتأخرين ، الحافظ العمدة صلاح الدين أبو سعيد العلائي شيخ بعض شيوخنا ( قد سأله ) أي : الإذن للحمل ( مع ) بالسكون ( أبويه ) إذ سئل في الإجازة لهما ولحملهما ( فأجاز ) ولم يستثن أحدا ، فإما أن يكون يراها مطلقا ، أو يغتفرها تبعا ، وهو أعلم وأحفظ وأتقن من المحدث المكثر الثقة أبي الثناء محمود بن خليفة بن محمد بن خلف المنبجي الدمشقي شيخ شيوخنا ، الذي صرح في كتابته بما يشعر بالاحتراز عن الإجازة له ، بل ومن أبهم اسمه فإنه قال : أجزت للمسمين فيه ( و ) لكن يمكن أن يقال : ( لعل ) ، يعني : العلائي ( ما أصفح ) أي : تصفح بمعنى نظر ( الأسماء ) التي ( فيها ) أي : في الاستجازة ، حتى يعلم هل فيها حمل أم لا ؟ ( إذ فعل ) أي : حيث أجاز ، بناء على صحة الإجازة بدون تصفح ولا عد ، كما تقدم في النوع الرابع قريبا ، إلا أن الغالب أن أهل الحديث كما هو المشاهد لا يجيزون إلا بعد نظر المسئول عنهم ، على أنه يمكن أن يقال : لعل المنبجي أيضا لم يتصفح الإجازة ، وظن الكل مسمين ، أو يقال : إن الحمل اسمه حينئذ ، فلا تنافي بين الصنيعين .

[ ص: 267 ] وعلى كل حال ( فينبغي البنا ) بالقصر للضرورة ; أي : بناء صحة الإجازة له ( على ما ذكروا ) أي : الفقهاء ، من أنه ( هل يعلم الحمل ) أم لا ؟ فإن قلنا : إنه لا يعلم ، فيكون كالإذن للمعدوم ، ويجري فيه الخلاف فيه ، وإن قلنا : إنه يعلم كما صححه الرافعي صح الإذن ( وهذا ) أي : البناء وكون الحمل يعلم ( أظهر ) ، فاعتمده .

ثم إن معنى قولهم : إن الحمل يعلم ، إنه يعامل معاملة المعلوم ، وإلا فقد قال إمام الحرمين : لا خلاف أنه لا يعلم ، وبه جزم الرافعي بعد هذا بنحو صفحة في أثناء فرق . ومحصل ما ذكر هنا أن الإجازة كالسماع ، لا يشترط فيها الأهلية عند التحمل بها .

تتمة : رأيت من كتب بهامش نسخة نقلا عن المصنف إنه هو السائل العلائي ، وإن الحمل هو ولده أحمد ، يعني الولي أبا زرعة . وفيه نظر ; فمولد أبي زرعة في ذي الحجة سنة اثنتين وستين ، ووفاة العلائي في المحرم سنة إحدى ، اللهم إلا أن يكون مكث حملا أزيد من المعتاد غالبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية