فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء

484 - والثامن الإذن بما سيحمله الشيخ والصحيح أنا نبطله      485 - وبعض عصريي عياض بذله
وابن مغيث لم يجب من سأله      486 - وإن يقل : أجزته ما صح له
أو سيصح فصحيح عمله      487 - الدارقطني وسواه أو حذف
يصح جاز الكل حيث ما عرف

( و ) النوع ( الثامن ) من أنواع الإجازة : ( الإذن بما ) أي : الإجازة بمعدوم ( سيحمله الشيخ ) المجيز من المروي مما لم يتحمله قبل ذلك بنوع من أنواع [ ص: 268 ] التحمل ليرويه المجاز له بعد أن يتحمله المجيز ( والصحيح ) بل الصواب كما قاله النووي وسبقه إليه عياض كما سيأتي قريبا ( أنا نبطله ) ، ولم يفصلوا بين ما يكون المعدوم فيه منعطفا على موجود كأن يقول : أجزت لك ما رويته وما سأرويه ، أو لا ، كما قيل به في النوع السادس .

( وبعض عصريي عياض ) [ قد ( بذله ) بالمعجمة ; أي : أعطى من سأله الإجازة كذلك ما سأله ] كما حكاه في إلماعه ; حيث قال : وهذا النوع لم أر من تكلم فيه من المشايخ ، قال : ورأيت بعض المتأخرين والعصريين يصنعونه ، ووجهه بعضهم بأن شرط الرواية أكثر ما يعتبر عند الأداء لا عند التحمل ، وحينئذ فسواء تحمله بعد الإجازة أو قبلها إذا ثبت حين الأداء أنه تحمله .

( و ) لكن ( ابن مغيث ) بضم الميم وكسر المعجمة وآخره مثلثة ، وهو أبو الوليد يونس بن عبد الله بن محمد القرطبي قاضي الجماعة ، وصاحب الصلاة والخطبة بها ، ويعرف بابن الصفار ، أحد العلماء بالحديث والفقه ، والوافر الحظ من اللغة العربية ، كتب إليه من المشرق الدارقطني وغيره ، ومن تصانيفه ( التسلي عن الدنيا بتأميل خير الآخرة ) ، جاءه إنسان - حسبما حكاه تلميذه أبو مروان عبد الملك بن زيادة الله التميمي الطبني القرطبي في فهرسته - فسأله الإجازة له بجميع ما رواه إلى تأريخها ، وما يرويه بعد ، فامتنع من ذلك ، و ( لم يجب ) فيه ( من سأله ) ، فغضب السائل ، فنظر يونس إلى الطبني كأنه تعجب من ذلك ، قال الطبني : فقلت له ; أي : للسائل : يا هذا ، يعطيك ما لم يأخذ ، [ ص: 269 ] هذا محال ، فقال يونس : هذا جوابي . قال عياض بعد سياقه : وهذا هو الصحيح ; فإن هذا يخبر بما لا خبر عنده منه ، ويأذن له بالتحديث بما لم يحدث به بعد ، ويبيح له ما لا يعلم هل يصح له الإذن فيه ، فمنعه الصواب . قال غيره : والفرق بينه وبين ما رواه أن ذاك داخل في دائرة حصر العلم بأصله ، بخلاف ما لم يروه ; فإنه لم ينحصر .

لكن قال ابن الصلاح : إنه ينبغي بناؤه ، يعني صحة وعدما ، على أن الإجازة هل هي في حكم الإخبار بالمجاز جملة أو هي إذن ؟ فعلى الأول لم يصح ; إذ كيف يخبر بما لا خبر عنده منه ، وعلى الثاني ينبني على الخلاف في تصحيح الإذن في الوكالة فيما لم يملكه الآذن بعد ، كأن يوكل في بيع العبد الذي يريد أن يشتريه ، وكذا في عتقه إذا اشتراه ، وطلاق زوجته التي يريد أن يتزوجها ، كما زادهما ابن أبي الدم ، وكما إذا أذن المالك لعامله في بيع ما سيملكه من العروض ، أو أوصى بمنافع عين يملكها قبل وجودها ، وهو الأصح في هاتين ، ووجه في ما قبلهما ، وكذا لو وكله في بيع كذا ، وأن يشتري بثمنه كذا على أشهر القولين ، أو في ثمر نخله قبل إثمارها كما حكاه ابن الصلاح عن الأصحاب ، [ ص: 270 ] أو في استيفاء ما وجب من حقوقه وما سيجب ، أو في بيع ما ملكه وما سيملكه على أحد الاحتمالين للرافعي في الأخيرة ، وقال البلقيني : إنه الذي يظهر ; لما نص عليه الشافعي في وصيته ، وهو المحكي في البيان عن الشيخ أبي حامد ، ونقله ابن الصلاح عنه في فتاواه ، بل أفتى بأنه إذا وكله في المطالبة بحقوقه دخل فيه ما يتجدد منها .

وبالنظر لهذه الفروع صحة وإبطالا حصل التردد في مسألتنا ، على أن المرجح في جلها إنما يناسبه القول بصحة الإجازة في المنعطف فقط ، وصنيع ابن الصلاح مشعر بفرضها في غيره ، ولذا ساغ تنظيره بالتوكيل في بيع العبد الذي سيملكه مجردا ، قال بعضهم : وإذا جاز التوكيل فيما لم يملكه بعد فالإجازة أولى ، بدليل صحة إجازة الطفل دون توكيله . وعلى المعتمد ، فيتعين كما قال ابن الصلاح تبعا لغيره ، على من يريد أن يروي عن الشيخ بالإجازة ، أن يعلم أن ما يرويه عنه مما تحمله شيخه قبل إجازته له - انتهى .

ويلتحق بذلك ما يتجدد للمجيز بعد صدور الإجازة من نظم أو تأليف ، وعلى هذا يحسن للمصنف ومن أشبهه توريخ صدور ذلك منه .

( و ) إما ( إن يقل ) الشيخ : ( أجزته ما صح له ) أي : حال الإجازة ( أو سيصح ) أي : ويصح عنده بعدها أنني أرويه ( ف ) ذاك ( صحيح ) سواء كان المجيز [ ص: 271 ] عرف أنه يرويه حين الإجازة أم لا ; لعدم اشتراط ذلك ، وقد ( عمله ) الحافظ ( الدارقطني وسواه ) من الحفاظ ، وله أن يروي عنه ما صح عنده حين الإجازة وبعدها أنه تحمله قبلها ، سواء جمع الشيخ في قوله بين اللفظين ( أو ) اقتصر على قوله : صح ، و ( حذف ) قوله : ( يصح ) [ يعني : بعدها ] ( جاز الكل حيث ما عرف الطالب ) حالة الأداء أنه مما تحمله شيخه قبل صدور الإجازة . والفرق بين هذه والتي قبلها أنه هناك لم يرو بعد ، بخلافه هنا فقد روى ، ولكن تارة يكون عالما بما رواه ، وهذا لا كلام فيه ، وتارة لا يكون عالما ، فيحيل الأمر فيه على ثبوته عند المجاز .

التالي السابق


الخدمات العلمية