فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
الصحيح الزائد على الصحيحين


29 - وخذ زيادة الصحيح إذ تنص صحته أو من مصنف يخص      30 - بجمعه نحو ابن حبان الزكي
وابن خزيمة وكالمستدرك      31 - على تساهل وقال ما انفرد
به فذاك حسن ما لم يرد      32 - بعلة والحق أن يحكم بما
يليق والبستي يداني الحاكما

[ ص: 53 ] ( وخذ ) أيها الطالب بعدما تقرر لك أن الشيخين لم يستوعباه ( زيادة الصحيح ) المشتمل على شرطيهما وغيره مما حكم له بالصحة ( إذ ) أي حيث ( تنص صحته ) من إمام معتمد ; كأبي داود ، والترمذي ، والنسائي ، والدارقطني ، والخطابي ، والبيهقي ، وغيرهم من أصحاب الكتب الشهيرة فيها ، وكذا في غيرها ، إذا صح الطريق إليهم .

كما إذا وجد ذلك عن يحيى بن سعيد القطان وابن معين وغيرهما ، ممن لم يشتهر لهم تصنيف ، خلافا لابن الصلاح فيما عدا الكتب الشهيرة ، بناء على مذهبه من عدم إمكان التصحيح في الأزمان المتأخرة ; لاستلزامه الحكم على السند الموصل إليهم بالصحة .

وما وقع في كلام النووي - رحمه الله - من التقييد بالتصانيف تبعا لابن الصلاح ، كأنه للاكتفاء مما صححه بعد من الإمكان ، ثم إنه لا انحصار لأخذ الزيادة فيما سبق ، بل تؤخذ إما منه ( أو من مصنف ) بفتح النون ( يخص بجمعه ) أي : الصحيح بمقتضى ما عند مصنفه .

( نحو ) صحيح أبي حاتم ( ابن حبان ) بكسر المهملة ثم موحدة ، محمد التميمي البستي الشافعي الحافظ الفقيه القاضي ( الزكي ) أي : الزاكي ، لنموه عند غير واحد من الأئمة كالخطيب ، فإنه قال : كان ثقة ثبتا فاضلا فهما .

وقال الحاكم : ( كان من أوعية العلم في الفقه ، واللغة والحديث ، والوعظ ، ومن عقلاء الرجال ، واسم مصنفه " التقاسيم والأنواع " .

( و ) نحو صحيح إمام الأئمة أبي بكر ( ابن خزيمة ) بمعجمتين أولاهما مضمومة وبالصرف وتركه هنا ، واسمه : محمد بن إسحاق السلمي النيسابوري الفقيه الشافعي ، شيخ ابن حبان القائل فيه : ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن ، [ ص: 54 ] ويحفظ ألفاظها الصحاح وزيادتها ، حتى كأن السنن كلها بين عينيه ، غيره ، وأخر عنه مع تقدمه ; لكون صحيحه عدم أكثره ، بخلاف صحيح ابن حبان ، فهو موجود بتمامه .

( وكالمستدرك ) على الصحيحين مما فاتهما للحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري الحافظ الثقة ( على تساهل ) منه فيه ، بإدخاله فيه عدة موضوعات ، حمله على تصحيحها ; إما التعصب لما رمي به من التشيع ، وإما غيره ، فضلا عن الضعيف وغيره .

بل يقال : إن السبب في ذلك أنه صنفه في أواخر عمره ، وقد حصلت له غفلة وتغير ، أو أنه لم يتيسر له تحريره وتنقيحه ، ويدل له أن تساهله في قدر الخمس الأول منه قليل جدا بالنسبة لباقيه ، فإنه وجد عنده : " إلى هنا انتهى إملاء الحاكم " .

وقول أبي سعد الماليني : " إنه طالعه بتمامه ، فلم ير فيه حديثا على شرطهما " - غير مرضي ، نعم هو معروف عند أهل العلم بالتساهل في التصحيح ، والمشاهدة تدل عليه .

( و ) لذلك ( قال ) ابن الصلاح ما حاصله : ( ما انفرد ) الحاكم ( به ) أي : بتصحيحه ; ليخرج ما شاركه غيره في تصحيحه ، وكذا ما خرجه فقط غير [ ص: 55 ] مصحح له ( فذاك حسن ما لم يرد ) للقدح فيه ( بـ ) ظهور ( علة ) أي : لا ما يقتضي الرد .

هذا ما مشى عليه النووي والبدر بن جماعة في اختصارهما ابن الصلاح ، والموجود في نسخة : " إن لم يكن [ من قبيل الصحيح ، فهو من قبيل الحسن يحتج به " ، وظاهره عدم الحصر في أحدهما ، وأنه جعل ما لم يكن مردودا ] من أحاديثه دائرا بين الصحة والحسن احتياطا .

وحينئذ فلم يتحكم بغير دليل ، نعم جر سده باب التصحيح إلى عدم تمييز أحدهما من الآخر ; لاشتراكهما كما صرح به في الحجية .

( والحق ) كما أرشد إليه البدر بن جماعة ( أن ) يتتبع الكتاب ويكشف عن أحاديثه و ( يحكم ) بسكون الميم - لغة - أي : يقضى على كل منها ( بما يليق ) به من الصحة أو الحسن أو الضعف .

ثم إن السبب في تخصيص الحاكم عن غيره ممن ذكر ، بالتصريح بذلك - مزيد تساهله ( و ) إلا فابن حبان ( البستي ) وهو بضم الموحدة وإسكان المهملة وبعدها مثناة فوقانية نسبة لمدينة من بلاد كابل بين هراة وغزنة ، وصف بأنه ( يداني ) أي : يقارب ( الحاكما ) في التساهل [ وذلك يقتضي النظر في أحاديثه [ ص: 56 ] أيضا ; لأنه غير متقيد بالمعدلين ، بل ربما يخرج للمجهولين ، لا سيما ومذهبه إدراج الحسن في الصحيح ، مع أن شيخنا قد نازع في نسبته إلى التساهل ، إلا من هذه الحيثية .

وعبارته : إن كانت باعتبار وجدان الحسن في كتابه ، فهي مشاحة في الاصطلاح ; لأنه يسميه صحيحا ، وإن كانت باعتبار خفة شروطه ، فإنه يخرج في الصحيح ما كان راويه ثقة غير مدلس ، سمع ممن فوقه وسمع منه الآخذ عنه ، ولا يكون هناك إرسال ولا انقطاع .

وإذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل ، وكان كل من شيخه والراوي عنه ثقة ، ولم يأت بحديث منكر فهو عنده ثقة ، وفي كتاب الثقات له كثير ممن هذه حاله .

ولأجل هذا ربما اعترض عليه في جعلهم من الثقات من لم يعرف اصطلاحه ، ولا اعتراض عليه ، فإنه لا يشاحح في ذلك ] .

قلت : ويتأيد بقول الحازمي : ابن حبان أمكن في الحديث من الحاكم ، وكذا قال العماد بن كثير : قد التزم ابن خزيمة وابن حبان الصحة ، وهما خير من ( المستدرك ) بكثير ، وأنظف أسانيد ومتونا ، وعلى كل حال فلا بد من النظر للتمييز .

وكم في كتاب ابن خزيمة أيضا من حديث محكوم منه بصحته ، وهو لا يرتقي عن رتبة الحسن ، بل وفيما صححه الترمذي من ذلك جملة ، مع أنه ممن يفرق بين الصحيح والحسن .

[ ص: 57 ] وكذا من مظان الصحيح " المختارة " مما ليس في الصحيحين أو أحدهما للضياء المقدسي الحافظ ، وهي أحسن من المستدرك ، لكنها مع كونها على المسانيد لا الأبواب - لم يكمل تصنيفها .

وتقع أيضا في صحيح أبي عوانة الذي عمله مستخرجا على مسلم أحاديث كثيرة زائدة على أصله ، وفيها الصحيح والحسن ، بل والضعيف أيضا ، فينبغي التحرز في الحكم عليها أيضا .

وأما ما يقع فيه وفي غيره من المستخرجات على الصحيحين من زيادة في أحاديثهما ، أو تتمة لمحذوف ، أو نحو ذلك - فهي صحيحة ، لكن مع وجود الصفات المشترطة في الصحيح ، فيمن بين صاحب المستخرج والراوي ، الذي اجتمعا فيه كما سيأتي قريبا .

‌‌‌‌‌‌

التالي السابق


الخدمات العلمية