فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
المقابلة .


( 577 ) ثم عليه العرض بالأصل ولو إجازة أو أصل أصل الشيخ أو      ( 578 ) فرع مقابل وخير العرض مع
أستاذه بنفسه إذ يسمع      ( 579 ) وقيل بل مع نفسه واشترطا
بعضهم هذا وفيه غلطا      ( 580 ) ولينظر السامع حين يطلب
في نسخة وقال يحيى يجب      ( 581 ) وجوز الأستاذ أن يروي من
غير مقابل وللخطيب إن      ( 582 ) بين والنسخ من أصل وليزد
صحة نقل ناسخ فالشيخ قد      ( 583 ) شرطه ثم اعتبر ما ذكرا
في أصل الأصل لا تكن مهورا

[ ص: 76 ] [ معنى المقابلة ] :

المقابلة وما ألحق بها من المسائل ، ويقال لها أيضا : المعارضة . تقول : قابلت بالكتاب قبالا ومقابلة . أي : جعلته قبالته ، وصيرت في أحدهما كل ما في الآخر ، ومنه منازل القوم تتقابل . أي : يقابل بعضها بعضا ، وعارضت بالكتاب الكتاب . أي : جعلت ما في أحدهما مثل ما في الآخر . مأخوذ من : عارضت بالثوب . إذا أعطيته وأخذت ثوبا غيره .

[ أصل المقابلة ] :

والأصل فيها ما رواه الطبراني في ( الكبير ) وابن السني في ( رياضة المتعلمين ) كلاهما من حديث أبي الطاهر بن السرح قال : ( وجدت في كتاب خالي - يعني عبد الرحمن بن عبد الحميد - حدثني عقيل ، عن سعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت ، عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال : كنت أكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان إذا فرغت يقول لي : ( اقرأه ) . فأقرأه ، فإن كان فيه سقط أقامه ثم أخرج به إلى الناس ) . وأخرجه الطبراني أيضا ، وكذا الخطيب في ( جامعه ) ، من طريق نافع بن يزيد عن عقيل ، فقال : عن الزهري ، عن سعيد بنحوه .

[ ص: 77 ] [ حكم المقابلة ] :

( ثم ) بعد تحصيل الطالب للمروي بخطه أو بخط غيره ( عليه العرض ) وجوبا كما صرح به الخطيب وقال : إنه شرط في صحة الرواية ، وكذا قال عياض : إنه متعين لا بد منه . وهو مقتضى قول ابن الصلاح : إنه لا غنى لمجلس الإملاء عن العرض . كما سيأتي ، ويشير إليه ما أخرجه الخطيب في ( جامعه ) عن هشام بن عروة قال : قال لي أبي : أكتبت ؟ قلت : نعم . قال : عارضت ؟ قلت : لا . قال : فلم تكتب .

وفي ( كفايته ) عن أفلح بن بسام قال : كنت عند القعنبي فقال لي : كتبت ؟ قلت : نعم . قال : عارضت ؟ قلت : لا . قال : لم تصنع شيئا . وهذا عند ابن السمعاني في ( أدب الإملاء من حديث عطاء بن يسار مرسلا قال : كتب رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : ( كتبت ؟ ) قال : نعم . قال : ( عرضت ؟ ) قال : لا . قال : ( لم تكتب حتى تعرضه ) .

وفي ( الكفاية ) و ( الجامع ) معا عن يحيى بن أبي كثير قال : مثل الذي يكتب ولا يعارض مثل الذي يقضي حاجته ولا يستنجي بالماء . وكذا جاء [ ص: 78 ] عن الأوزاعي كما لابن عبد البر في ( جامع العلم ثم عياض في ( الإلماع ) .

وعن الشافعي كما عزاه إليه ابن الصلاح ، وفي صحة عزوه إليه نظر ، والتشبيه في مطلق النقص مع قطع النظر عن شرف أحدهما وخسة الآخر ، كما في تشبيه الوحي بصلصلة الجرس .

وكذا ليس قول القائل : (

اكتب ولا تقابل     وارم على المزابل

) على ظاهره . ولذا كان أحسن منه قول بعضهم : (

من كتب ولم يقابل     كمن غزا ولم يقاتل

) ، وقول الخلال الحنبلي : ( من لم يعارض لم يدر كيف يضع رجله ) .

وفي ( جامع الخطيب ) عن الخليل بن أحمد قال : إذا نسخ الكتاب ثلاث مرات ولم يعارض تحول بالفارسية من كثرة سقطه .

وفي ( كفايته ) نحوه عن الأخفش قال : ( إذا نسخ الكتاب ولم يعارض ثم نسخ منه ولم يعارض - يعني المنسوخ أيضا - خرج أعجميا ) .

والظاهر أن محل الوجوب حيث لم يثق بصحة كتابته أو نسخته ، أما من عرف بالاستقراء ندور السقط والتحريف منه فلا .

لا سيما وقد روى ابن عبد البر في [ ص: 79 ] ( جامع العلم ) عن معمر أنه قال : لو عرض الكتاب مائة مرة ما كاد يسلم من أن يكون فيه سقط . أو قال : خطأ ، ولكنه قد بالغ كما أن قول القائل : الأصل عدم الغلط . معارض بقول غيره : بل الأصل عدم نقل كل ما كان في الأصل . نعم لا يخلو الكاتب من غلط وإن قل ، كما هو معروف من العرف والتجربة ، ولذا قال بعضهم : ما قرمطنا ندمنا ، وما انتخبنا ندمنا ، وما كتبنا بدون مقابلة ندمنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية