فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ هل خير العرض مع شيخه أو مع نفسه ] :

( و ) لكن ( خير العرض ) ما كان ( مع أستاذه ) أي : شيخه على كتابه بمباشرة الطالب ( بنفسه إذ ) أي : حين ( يسمع ) من الشيخ أو عليه أو يقرأ ، لما يجمع ذلك من وجوه الاحتياط والإتقان من الجانبين . يعني : إن كان كل منهما أهلا لذلك ، فإن لم تجتمع هذه الأوصاف نقص من مرتبته بقدر ما فاته منها . قاله ابن الصلاح .

وقيد ابن دقيق العيد في ( الاقتراح ) الخيرية بتمكن الطالب مع ذلك من التثبت في القراءة أو السماع ، وإلا فتقديم العرض حينئذ أولى . قال : بل أقول : إنه أولى مطلقا ; لأنه إذا قوبل أولا كان حالة السماع أيسر ، وأيضا فإن وقع إشكال كشف عنه وضبط ، فقرئ على الصحة ، وكم من جزء قرئ بغتة ، فوقع فيه أغاليط وتصحيفات لم يتبين صوابها إلا بعد الفراغ فأصلحت ، وربما كان ذلك على خلاف ما وقعت القراءة عليه وكان كذبا إن قال : قرأت ; لأنه لم يقرأ على ذلك الوجه .

( وقيل ) وهو قول الحافظ أبي الفضل الهروي الجارودي : ( بل ) خير العرض ما كان ( مع نفسه ) بعينك حرفا حرفا لكونه حينئذ لم يقلد غيره ، ولم [ ص: 81 ] يجعل بينه وبين كتاب شيخه واسطة ، وهو بذلك على ثقة ويقين من مطابقتهما ( و ) لذا ( اشترطا بعضهم ) من أهل التحقيق ( هذا ) فجزم كما حكاه عياض عنه بعدم صحة مقابلته مع أحد غير نفسه ( وفيه ) أي : الاشتراط ( غلطا ) القائل به . فقال ابن الصلاح : ( إنه مذهب متروك ، وهو من مذاهب أهل التشديد المرفوضة في عصرنا ) . وصحح عدمه لا سيما والفكر يتشعب بالنظر في النسختين بخلاف الأول ، والحق كما قال ابن دقيق العيد أن ذلك يختلف ، فرب من عادته - يعني لمزيد يقظته وحفظه - عدم السهو عند نظره فيهما ، فهذا مقابلته بنفسه أولى ، أو عادته - يعني لجمود حركته وقلة حفظه - السهو .

فهذا مقابلته مع غيره أولى ، على أن الخطيب قال : ( إنه لو سمع من الراوي ولم تكن له نسخة ، ثم نسخ من الأصل ، استحب له العرض على الراوي أيضا للتصحيح وإن قابل به ) ; لأنه يحتمل أن يكون في الأصل خطأ ونقصان حروف وغير ذلك مما يعرفه الراوي ، ولعله أن يكون أقره في أصله ; لأن الذي حدثه به كذلك رواه فكره تغيير روايته - يعني : ومشى على الصواب في المسألة - وعول فيه على حفظه له ومعرفته به . ثم حكى ذلك عن جماعة ، وبه يتأيد قول ابن الصلاح : إن ما ذكرناه - يعني من العرض مع الشيخ - أولى من إطلاق الجارودي ، بل ولا مانع من تقييده به ويزول الاختلاف .

وقد قرأت بخط شيخنا التردد في مراد الجارودي فقال : إن أراد به أن صاحب الكتاب يتولاها بنفسه مع الشيخ أو مع موثوق به فهو متجه ، فإن عناية المرء [ ص: 82 ] بتصحيح نسخته أشد من اعتناء غيره ، حتى ذهب بعض أهل التشديد إلى أن الرواية لا تصح إلا إن قابل الطالب بنفسه مع غيره ، وأنه لا يقلد غيره في ذلك ، وإن أراد أنه يقرأ سطرا من الأصل ثم يقرأه بعينه ، فهذا لا يفيد ; لأن الشخص لا يتمكن من المقابلة بنفسه مع نفسه من نسختين ، وإن أراد أنه يقرأ كلمة أو كلمتين في كتاب نفسه ، ثم يقرأ ذلك في الأصل ، فهذا يصح ، إلا أنه قل أن يتفق مع ما فيه من التطويل الذي يضيع به العمر .

قال الخطيب : وليجعل للعرض قلما معدا ، ثم ساق عن أبي نعيم الفضل بن دكين أنه قال لرجل لاجه في أمر الحديث : اسكت فإنك أبغض من قلم العرض .

فائدة : قد مضى في الباب قبله حكاية استحباب لفظ الدارة الفاصلة بين الحديثين عند الانتهاء من مقابلة كل حديث لئلا يكون بعد في شك ، ومنهم من يجعل عقب كل باب أو كراس ما يعلم منه العرض ، وربما اقتصر بعضهم على الإعلام بذلك ، آخر الكتاب حتى كان أبو القاسم البازكلي يكتب ما نصه : صح بالمعارضة وسلم بالمقابلة من المناقضة ، وذلك من البسملة إلى الحسبلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية