فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
الاقتصار على بعض الحديث .


( 635 ) وحذف بعض المتن فامنع أو أجز أو إن أتم أو لعالم ومز      ( 636 ) ذا بالصحيح إن يكن ما اختصره
منفصلا عن الذي قد ذكره      ( 637 ) وما لذي تهمة أن يفعله
فإن أبى فجاز ألا يكمله      ( 638 ) أما إذا قطع في الأبواب
فهو إلى الجواز ذو اقتراب

[ عدم جواز اختصار الحديث ] :

الفصل الرابع : الاقتصار في الرواية على بعض الحديث ، وربما عبر عنه بالاختصار مجازا ، وتفريق الحديث الواحد [ ص: 150 ] على الأبواب .

( وحذف ) بالنصب مفعول مقدم ( بعض المتن ) أي : الحديث مما لا تعلق له بالمثبت ( فامنع ) إن كان لغير شك مطلقا ، سواء تقدمت روايته له تاما أم لا ، كان عارفا بما يحصل به الخلل في ذلك أم لا ، بناء - كما قال ابن الصلاح ومن تبعه وإن توقف فيه البدر بن جماعة - على منع الرواية بالمعنى مطلقا ; لأن رواية الحديث على النقصان ، والحذف لبعض متنه ، تقطع الخبر وتغيره عن وجهه ، وربما حصل الخلل والمختصر لا يشعر .

قال عنبسة : قلت لابن المبارك : علمت أن حماد بن سلمة كان يريد أن يختصر الحديث فيقلب معناه .

قال : فقال لي : أو فطنت له ؟ وقال أبو عاصم النبيل : إنهم يخطئون فحسمت المادة لذلك . هذا الإمام أبو حاتم بن حبان ، وناهيك به ، وقد ترجم في ( صحيحه ) : " إيجاب دخول النار لمن أسمع أهل الكتاب ما يكرهون " ، وساق فيه حديث أبي موسى الأشعري بلفظ : ( من سمع يهوديا أو نصرانيا دخل النار ) . وتبعه غيره ، فاستدل به على تحريم غيبة الذمي ، وكل هذا خطأ ، فلفظ الحديث : ( من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي دخل النار ) .

وكذا ترجم المحب الطبري في ( أحكامه ) " الوليمة على الأخوة " ، وساق حديث أنس : قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع ، لكون البخاري أورده في بعض الأماكن من ( صحيحه ) باختصار قصة التزويج [ ص: 151 ] مقتصرا على الإخاء والأمر بالوليمة ، ففهم منه أن الوليمة للأخوة ، وليس كذلك ، والحديث قد أورده البخاري تاما في أماكن كثيرة ، وليست الوليمة فيه إلا للنكاح جزما .

وحكي عن الخليل بن أحمد . واحتج له بقوله صلى الله عليه وسلم : ( فبلغه كما سمعه ) . وعن مالك فيما رواه عنه يعقوب بن شيبة أنه كان لا يرى أن يختصر الحديث إذا كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . يعني دون غيره .

كما صرح به أشهب إذ قال : سألت مالكا عن الأحاديث يقدم فيها ويؤخر والمعنى واحد ، قال : أما ما كان منها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أكره ذلك ، وأكره أن يزاد فيها وينقص منها ، وما كان من قول غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أرى بذلك بأسا إذا كان المعنى واحدا . بل كان عبد الملك بن عمير وغيره لا يستجيزون أن يحذف منه حرف واحد .

فإن كان لشك فهو - كما قال ابن كثير وتبعه البلقيني وغيره - سائغ ، كان مالك يفعله كثيرا تورعا ، بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في وصله ، ونقل أيضا عن ابن علية ، نعم إن تعلق المشكوك فيه بالمثبت كقول داود بن حصين في حديث الرخصة في العرايا : ( في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق ) ، فلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية