فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
حكم الصحيحين والتعليق .


40 - واقطع بصحة لما قد أسندا كذا له وقيل ظنا ولدى      41 - محققيهم قد عزاه النووي
وفي الصحيح بعض شيء قد روي      42 - مضعفا ولهما بلا سند
أشيا فإن يجزم فصحح أو ورد      43 - ممرضا فلا ولكن يشعر
بصحة الأصل له ك " يذكر "      44 - وإن يكن أول الإسناد حذف
مع صيغة الجزم فتعليقا عرف      45 - ولو إلى آخره أما الذي
لشيخه عزا ب " قال " فكذي      46 - عنعنة كخبر المعازف
لا تصغ لابن حزم المخالف

.

( حكم الصحيحين ) الماضي ذكرهما [ فيما أسند فيهما وغيره ] ، ( والتعليق ) أي : [ تعريف التعليق الواقع فيهما وفي غيرهما ] .

[ هل أحاديث الصحيحين تفيد العلم ] لما أشير إلى شرط صاحبي [ ص: 72 ] الصحيحين ، وانجر الكلام فيه إلى أن العدد ليس شرطا عند واحد منهما ، حسن بيان الحكم فيهما لسائله ; أيرتقى عن أخبار الآحاد لسموهما ، وجلالتهما ، وشفوف تحريهما في الصحيح أم لا ؟ .

فقيل له : ( واقطع بصحة لما قد أسندا ) أي : إن الذي أورده البخاري ومسلم مجتمعين ومنفردين بإسناديهما المتصل دون ما سيأتي استثناؤه من المنتقد والتعاليق وشبههما - مقطوع بصحته ; لتلقي الأمة المعصومة في إجماعها عن الخطأ ، كما وصفها - صلى الله عليه وسلم - بقوله : لا تجتمع أمتي على ضلالة لذلك بالقبول من حيث الصحة ، وكذا العمل ، ما لم يمنع منه نسخ أو تخصيص أو نحوهما .

وتلقي الأمة للخبر المنحط عن درجة المتواتر بالقبول يوجب العلم النظري ( كذا له ) أي : لابن الصلاح ; حيث صرح باختياره له والجزم بأنه هو الصحيح ، وإلا فقد سبقه إلى القول بذلك في الخبر المتلقى بالقبول الجمهور من المحدثين والأصوليين وعامة السلف ، بل وكذا غير واحد في الصحيحين .

ولفظ الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني : " أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان - مقطوع بصحة أصولها ومتونها ، ولا يحصل الخلاف فيها بحال ، وإن حصل فذاك اختلاف في طرقها ورواتها .

قال : فمن خالف حكمه خبرا منها ، وليس له تأويل سائغ للخبر ، نقضنا حكمه ; لأن هذه [ ص: 73 ] الأخبار تلقتها الأمة بالقبول .

( وقيل ) : هو صحيح ( ظنا ) ; لأنه لا يفيد في أصله قبل التلقي - لكونه خبر آحاد - إلا الظن ، وهو لا ينقلب بتلقيهم قطعيا ، وتصحيح الأئمة للخبر المستجمع للشروط المقتضية للصحة إنما هو مجرى على حكم الظاهر ; لما تقدم في ثاني مسائل الكتاب ، وأيضا فقد صح تلقيهم بالقبول لما ظنت صحته ( و ) هذا القول ( لدى ) أي عند ( محققهم ) وكذا الأكثرون هو المختار كما ( قد عزا ) إليهم الإمام ( النووي ) .

لكن قد وافق اختيار ابن الصلاح جماعة من المتأخرين مع كونه لم ينفرد بنقل الإجماع على التلقي ، بل هو في كلام إمام الحرمين أيضا ; فإنه قال : لإجماع علماء المسلمين على صحتهما ، وكذا هو في كلام ابن طاهر وغيره ولا شك - كما قال عطاء - أن ما أجمعت عليه الأمة أقوى من الإسناد .

ونحوه قول شيخنا : " الإجماع على القول بصحة الخبر أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق ، وكذا من القرائن المحتفة التي صرح غير واحد بإفادتها العلم ، لا سيما وقد انضم إلى هذا التلقي الاحتفاف بالقرائن ، وهي جلالة قدر مصنفيهما ، ورسوخ قدمهما في العلم ، وتقدمهما في المعرفة بالصناعة ، وجودة تمييز الصحيح من غيره ، وبلوغهما أعلى المراتب في الاجتهاد والإمامة في وقتهما " .

على أن شيخنا قد ذكر في توضيح النخبة أن الخلاف في التحقيق لفظي ، قال : لأن من جوز إطلاق العلم ، قيده بكونه نظريا ، وهو الحاصل عن الاستدلال ، ومن أبى الإطلاق خص لفظ العلم بالمتواتر ، وما عداه عنده ظني .

لكنه لا ينفي أن ما احتف بالقرائن أرجح مما خلا منها ، ولأجل كونه نظريا قيل : ( في الصحيح ) لكل من البخاري ومسلم ( بعض شيء ) وهو يزيد على مائتي حديث ( قد روي ) حال [ ص: 74 ] كونه ( مضعفا ) بالنسبة لبعض من تأخر عنهما ، وفات بذلك فيه تلقي كل الأمة المشار إليه ، ومن ثم استثناه ابن الصلاح من القطع بقوله : " سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ ; كالدارقطني وغيره ، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن " . انتهى .

ولا يمنع الاستثناء اجتهاد جماعة في الجواب عنه ، ودفع انتقاد ضعفه ، وأفرد الناظم مؤلفا لذلك ، عدمت مسودته قبل تبييضها ، وتكفل شيخنا في مقدمة شرح البخاري بما يخصه منه ، والنووي في شرح مسلم بما يخصه منه ، فكان فيهما مع تكلف في بعضه إجزاء في الجملة .

وأما ما ادعاه ابن حزم في كون كل واحد من الشيخين مع إتقانه وحفظه وصحة معرفته ، تم عليه الوهم في حديث أورده لا يمكن الجواب عنه ، وحكم على حديث مسلم خاصة بالوضع ، فقد رده بعض الحفاظ في جزء مفرد ، وأوضحت الكلام على ذلك مع مهمات كثيرة في هذا الباب ، وفي غيره في النكت لا يستغني من يروم التبحر في الفن عنها .

ويستثنى من القطع أيضا ما وقع التجاذب بين مدلوليه ; حيث لا ترجيح ; لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر ; قاله شيخنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية