فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ اعتناء مسلم وغيره بهذه المسألة ] :

وقد اشتدت عناية مسلم ببيان ذلك حتى في الحرف من المتن وصفة الراوي ونسبه ، وربما ، كما قدمته ، في الرواية بالمعنى كان بعضه لا يتغير به معنى ، وربما كان في بعضه تغير ، ولكنه خفي لا يتفطن له إلا من هو في العلوم بمكان .

واستحسن له قوله : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعا ، عن ابن عيينة . قال أبو بكر : ثنا سفيان بن عيينة . من أجل أن إعادته ثانيا ذكر أحدهما خاصة يشعر كما قال ابن الصلاح بأن اللفظ المذكور له .

ويتأيد بقوله في [ ص: 182 ] موضع آخر : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير وزهير بن حرب جميعا ، عن حفص بن غياث . قال ابن نمير : ثنا حفص . عن محمد بن زيد ، عن عمير مولى آبي اللحم قال : كنت مملوكا ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتصدق من مال موالي بشيء ؟ قال : ( نعم ، والأجر بينكما نصفان ) .

فإن لفظ أبي بكر - كما في ( مصنفه ) - حفص ، بدون صيغة ، وساق سنده قال : كنت عبدا مملوكا ، وكنت أتصدق فسألت النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان مولاي ينهاني ، أو سأله فقال : ( الأجر بينكما ) . ولفظ زهير كما عند أبي يعلى في ( مسنده ) عنه : حدثنا حفص . وساق سنده ، قال : كنت مملوكا ، وكنت أتصدق بلحم من لحم مولاي ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( تصدق ، والأجر بينكما نصفان ) .

وعن أبي يعلى أورده ابن حبان في ( صحيحه ) ، فانحصر كون اللفظ لمن أعاده ثانيا ، في أمثلة لذلك لا نطيل بها ، وربما لا يصرح برواية الجميع عن شيخهم ، كقوله : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم ، قال أبو بكر : ثنا يحيى بن آدم : ثنا حسن بن عياش .

وربما تكون الإعادة لأجل الصيغة حيث يكون بعضهم بالعنعنة ، وبعضهم بالتحديث أو الإخبار ، وعليه ; فتارة يكون اللفظ متفقا ، وتارة مختلفا .

وكثيرا ما ينبه أبو داود وغيره على التوافق في المعنى في الجملة من غير تعيين صاحب اللفظ كقوله : ثنا ابن حنبل ، وعثمان بن أبي شيبة ، ومسدد ، المعنى . وربما قال : المعنى واحد . كقوله : ثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، المعنى واحد . وهي أوضح ، فربما يتوهم غير المميز كونه المعني ، بكسر النون نسبة [ ص: 183 ] لمعن . ويتأكد حيث لم يقرن مع الراوي غيره .

وقد يكون في حديث أحد الراويين أتقن ، كقول أبي داود : ثنا أبو الوليد الطيالسي وهدبة بن خالد ، وأنا لحديثه أتقن .

وممن سبق مسلما لنحو صنيعه شيخه الإمام أحمد ، فهو حريص على تمييز الألفاظ في السند والمتن .

وقد ينشأ عن بعضه لمن لم يتدبر إثبات راو لا وجود له ، ومنه قول أحمد : حدثنا يزيد بن هارون . وعباد بن عباد المهلبي ، قالا : أنا هشام ، قال عباد : ابن زياد . حيث ظن بعض الحفاظ أن زيادا هو والد عباد ، وليس كذلك ، بل هو والد هشام ، اختص عباد بزيادته عن رفيقه يزيد .

ونحوه قوله أيضا : حدثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن ربعي بن حراش ، عن أبي الأبيض - قال حجاج : رجل من بني عامر - عن أنس . فذكر حديثا . فليس قوله : رجل من بني عامر وصفا لحجاج ، بل هو مقوله وصف به أبا الأبيض ، انفرد بوصفه له بذلك عن رفيقه ، وحجاج هو ابن محمد أحد شيخي أحمد فيه ، وأمثلة ذلك كثيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية