[  
آداب مجلس الإملاء والاستملاء     ] :  
( واستحسنوا ) أي أهل الحديث ممن تصدى للإملاء ( البدء ) في مجالسهم ( بـ ) قراءة ( قارئ ) هو المستملي كما  
للخطيب  وابن السمعاني  ، أو المملي ، كما  
للرافعي  أو غيرهما ، ( تلا ) شيئا من القرآن ، والاختلاف في التعيين لا ينافي اجتماعهم على القراءة .  
وعين  
الرافعي  والخطيب  أن يكون المتلو سورة ، زاد  
الرافعي     : خفيفة . قال : ويخفيها في نفسه . كأنه لكونه أقرب إلى الإخلاص . واختار شيخنا تبعا لشيخه سورة " الأعلى " لذلك . وكأنه من أجل قوله فيها :  
سنقرئك فلا تنسى  وقوله : فذكر . وقوله :  
صحف إبراهيم وموسى     .  
والأصل في قراءة السورة ما رواه  
الخطيب  وغيره من  حديث  
 nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة  قال : ( كان الصحابة إذا اجتمعوا تذاكروا العلم ، وقرءوا سورة )     .  
بل أخرجه  
أبو نعيم  في ( رياضة المتعلمين ) من حديث  
 nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة  ،  عن  
أبي سعيد  قال : ( كان أصحاب      
[ ص: 255 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعدوا يتحدثون في الفقه يأمرون أن يقرأ رجل سورة )     .  
( وبعده ) أي : المتلو ، ( استنصت ) المملي - كما قاله  
ابن السمعاني  ، أو المستملي كما قاله  
الخطيب   nindex.php?page=showalam&ids=12795وابن الصلاح  واستحسنه  
ابن السمعاني     - أهل المجلس حيث احتيج لذلك ، اقتداء بقوله صلى الله عليه وسلم  
لجرير  في حجة الوداع : (  
استنصت الناس     ) . متفق عليه .  
( ثم ) بعد إنصاتهم ( بسملا ) المستملي أي قال : بسم الله الرحمن الرحيم . وهذا أول شيء يقوله ، ( فـ ) يليه ( الحمد ) لله رب العالمين ، ( فـ ) يليه ( الصلاة ) مع السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اقتداء بقوله صلى الله عليه وسلم : (  
كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله     ) وفي رواية ( بحمد الله ) .  
وفي رواية : ( والصلاة علي ) - ( فهو أقطع ) . فإذا جمع بين الألفاظ فقد استعمل الروايات وحاز الأكمل في فضيلتها .  
( ثم ) بعد ذلك أقبل المستملي على المملي ( يقول ) له : ( من ) ذكرت من الشيوخ ( أو ما ذكرت ) من الأحاديث . قال  
الرافعي     : ولا يقول : من حدثك ؟ أو من سمعت ؟ فإنه لا يدري بأي لفظة يبتدئ .  
لكن قال  
ابن دقيق العيد  في ( الاقتراح ) : الأحسن أن يقول : من حدثك ؟ أو من أخبرك ؟ إن لم يقدم الشيخ ذكر أحد ، إلا أن يكون الأول عادة للسلف مستمرة فالاتباع أولى . وكذا قال  
ابن السمعاني     : يقول : من ذكرت ؟ أو من حدثك ؟ .  
( وابتهل ) أي : ودعا المستملي ( له ) أي : للمملي مع ذلك بقوله رافعا لصوته : رحمك الله ، أو أصلحك الله ، أو غفر الله لك .  
قال  
ابن السمعاني     : ويقول : رضي الله عن الشيخ وعن والديه وعن جميع المسلمين . يعني إن لم يكن في أبويه ما      
[ ص: 256 ] يمنع ذلك ، كما اتفق لشيخنا حيث قال لشيخه  
البرهان إبراهيم بن داود الآمدي     : ورضي الله عنكم وعن والديكم . فقال له  
البرهان     : لا تقل هكذا . يشير إلى أنهما لم يكونا مسلمين .  
قال  
ابن السمعاني     : فلو قال : رضي الله عن سيدنا . جاز إذا عرف المملي قدر نفسه . يعني لقوله صلى الله عليه وسلم : (  
nindex.php?page=hadith&LINKID=929994قوموا إلى سيدكم     ) . قال : وكره بعضهم ذلك . يعني لما فيه من الإطراء .  
قال : وقد كنت أقرأ على  
أبي القاسم علي بن الحسين العلوي  ، وكان شيخا صالحا من أهل بيت ، فقلت : رضي الله عن الشيخ الإمام فلان . فنهاني عنه وقال : قل : ورضي الله عنك وعن والديك . وحرم شيبتك على النار . فقلتها وهو يبكي .  
وجرى ذلك لآخر فقال : لا تعظمني عند ذكر ربي . قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=17299يحيى بن أكثم     : نلت القضا وقضا القضاة والوزارة وكذا وكذا ، فما سررت بشيء مثل قول المستملي : من ذكرت رحمك الله .  
ونحوه قول  
 nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون     : ما أشتهي من لذات الدنيا إلا أن يجتمع أصحاب الحديث عندي ، ويجيء المستملي فيقول : من ذكرت أصلحك الله . وكذا روي عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=16968محمد بن سلام الجمحي  قال : قيل  
للمنصور     : هل بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله ؟ قال : بقيت خصلة ; أن أقعد في مصطبة وحولي أصحاب الحديث ، ويقول المستملي : من ذكرت رحمك الله . قال : فغدا عليه الندماء وأبناء الوزراء بالمحابر والدفاتر فقال : لستم هم ، إنما هم الدنسة ثيابهم ، المتشققة أرجلهم ، الطويلة شعورهم . يرد الآفاق ونقلة الحديث .      
[ ص: 257 ]    .  
قال  
الخطيب     : ( و ) إذا انتهى . أي المستملي تبعا للمملي إلى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من الإسناد ( صلى ) يعني وسلم عليه ، وفعل ذلك في كل حديث مر فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم استحبابا .  
( و ) كذا إذا انتهى إلى ذكر أحد من الصحابة رضي الله عنهم ( ترضى ) عنه بقوله : رضي الله عنه ، أو رضوان الله عليه ، حال كونه ( رافعا ) صوته بذلك كله .  
زاد غيره : فإن كان ذاك الصحابي من أبناء الصحابة أيضا  
 nindex.php?page=showalam&ids=11كابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر  قال : رضي الله عنهما . وإن كان أبوه وجده صحابيين . وذكرهما  
كعائشة  قال : رضي الله عنهم . وبقوله : ( وذكرهما ) . يتأيد من كان ينكر على القارئ من أئمة شيوخنا إذا مر به عن
عائشة  رضي الله عنها حيث يقول : وعن أبيها وجدها وأخيها . لما فيه من التطويل ، لا سيما إن أوهم بذلك أن في المجلس بعض  
الرافضة   مما الواقع خلافه .  
وكذا يقع في كثير من الأصول القديمة حتى في "  
أحمد     " و "  
أبي داود     " عن  
علي  عليه السلام . تاركا لذلك في  
أبي بكر  وغيره ممن هو أفضل منه ، بل يقع ذلك في  
 nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة الزهراء  أيضا ، وعندي توقف في المقتضي للتخصيص بذلك مع احتمال وقوعه ممن بعد المصنفين ، ولكنه بعيد .  
قال  
الخطيب     : والأصل في ذلك - يعني الترضي - حديث  
جابر     :  
كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فالتفت إلى  أبي بكر  فقال : ( يا  أبا بكر  ، أعطاك الله الرضوان الأكبر )     .  
وحديث  
أنس     :  
كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام غلام فأخذ نعله ، فناوله إياها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أردت رضا ربك ، رضي الله عنك ) قال :      [ ص: 258 ] فاستشهد     .  
وكذا يستحب أيضا الترضي والترحم على الأئمة ، فقد قال  
القارئ  للربيع بن سليمان  يوما : حدثكم  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ؟ ولم يقل : رضي الله عنه . فقال  
الربيع     : ولا حرف حتى يقال : رضي الله عنه .  
قال  
الخطيب     : والصلاة والرضوان والرحمة من الله بمعنى واحد إلا أنها وإن كانت كذلك ، فإنا نستحب أن يقال للصحابي : رضي الله عنه . وللنبي : صلى الله عليه وسلم . تشريفا له وتعظيما .