فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ حكم ذكر ألقاب الراوي ] :

( و ) أما ( ذكر ) راو ( معروف بشيء من لقب ) بحيث اشتهر بذلك ، وغلب عليه ( كغندر ) بضم المعجمة وفتح المهملة بينهما نون ، لمحمد بن جعفر وغيره ممن سيأتي مع جملة ألقاب في بابها ، أو معروف بوصف ليس نقصا في خلقته كالحمرة والزرقة والشقرة والصفرة والطول .

( أو وصف نقص ) كالإقعاد لأبي معمر ، والحول لعاصم ، والشلل لمنصور ، والعرج لعبد الرحمن بن هرمز ، والعمى لأبي معاوية الضرير ، والعمش لسليمان ، والعور لهارون بن [ ص: 261 ] موسى ، والقصر لعمران .

( أو نسب لأمه ) كابن أم مكتوم ، وابن بحينة ، والحارث ابن البرصاء ، ويعلى ابن منية ، وغيرهم من الصحابة ومن بعدهم ، كمنصور ابن صفية ، وإسماعيل ابن علية ، على ما سيأتي فيمن نسب إلى غير أبيه .

( فجائز ) في ذلك كله كما صرح به الخطيب ، ( ما لم يكن ) في اللقب إطراء مما يدخل في النهي ، فإنه حرام ، أو لم يكن الموصوف به ( يكرهه كابن علية ) بضم المهملة مصغر ، وأبي الزناد ، وأبي سلمة التبوذكي ، وعلي - بالتصغير - بن رباح ، وابنه موسى ، ومسلمة بن علي ، وابن راهويه ، وخالد بن مخلد القطواني ، فالقطواني لقبه ، وكان أيضا يغضب منها ، وزياد بن أيوب البغدادي دلويه ، قيل : إنه كان يقول : من سماني دلويه لا أجعله في حل .

وأبي العباس الأصم كان يكره أن يقال له : الأصم . وجوزي ، وهو لقب لأبي القاسم الأصبهاني صاحب ( الترغيب ) ، وكان فيما حكاه ابن السمعاني يكرهه ، وغيرهم ( فصن ) حينئذ نفسك عن الوقوع فيه والراوي [ ص: 262 ] عن وصفه بذلك ، إذ هو حرام حسبما استثناه ابن الصلاح متمسكا بنهي الإمام أحمد لابن معين أن يقول : ثنا إسماعيل ابن علية .

وقال له : قل : إسماعيل بن إبراهيم . فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه . ولم يخالفه ابن معين فيه ، بل قال : قبلناه منك يا معلم الخير .

وقد أقر الناظم ابن الصلاح على التحريم كما سيأتي في الألقاب ، وأما هنا فقال : الظاهر أن ما قاله أحمد على طريق الأدب لا اللزوم . انتهى . ولذا قال شيخنا : فهو حرام أو مكروه .

قلت : فلو علم أن كراهته تواضعا لما يتضمن من التزكية أو نحو ذلك ، كما نقل عن النووي أنه قال : لست أجعل في حل من لقبني محيي الدين . فالأولى تجنبه .

والأصل في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم لما سلم في ركعتين من صلاة الظهر : ( أكما يقول ذو اليدين ؟ ) . ولذا ترجم البخاري في ( صحيحه ) بقوله : ما يجوز من ذكر الناس ، أي بأوصافهم ، نحو قولهم : الطويل والقصير ، وما لا يراد به شين الرجل ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما يقول ذو اليدين ؟ ) . فذهب في ذلك إلى التفصيل كالجمهور .

وشذ قوم فشددوا ، حتى نقل عن الحسن البصري أنه كان يقول : أخاف أن يكون قولنا : حميد الطويل . غيبة .

وكأن البخاري لمح بذلك حيث ذكر قصة ذي اليدين لقوله فيها : وفي القوم رجل في يديه طول .

قال ابن المنير : أشار البخاري إلى أن ذكر مثل هذا إن كان للبيان والتمييز فهو جائز ، وإن كان للتنقيص لم يجز .

قال : وجاء في بعض الحديث عن عائشة في المرأة التي دخلت عليها ، فأشارت بيدها أنها قصيرة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اغتبتيها ) . وذلك أنها لم [ ص: 263 ] تفعل ذلك بيانا ، وإنما قصدت الإخبار عن صفتها فكان كالاغتياب .

ومن أدلة النهي قوله تعالى : ولا تنابزوا بالألقاب . وكان نزولها حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، وللرجل منهم اللقب واللقبان . وعلى كل حال من التحريم أو غيره فذاك فيمن عرف بغير ذلك ، أما حيث لم يعرف بغيره فلا .

وبه صرح الإمام أحمد ، فقال الأثرم : سمعته يسأل عن الرجل يعرف بلقبه فقال : إذا لم يعرف إلا به . ثم قال : الأعمش إنما يعرفه الناس هكذا . فسهل في مثل هذا إذا شهر به . وما أحسن صنيع إمامنا الشافعي رحمه الله حيث كان يقول : ثنا إسماعيل الذي يقال له : ابن علية .

وكان أبو بكر ابن إسحاق الصبغي إذا روى عن شيخه الأصم يقول فيه : المعقلي نسبة لجده معقل . ولا يقول : الأصم . لكراهته لها كما تقدم . وقد قال البلقيني : إنه إن وجد طريقا إلى العدول عن الوصف بما اشتهر به مما يكرهه فهو أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية