فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ جمع التراجم والطرق ] :

( او ) جمعوا ( تراجما ) مخصوصة كمالك عن نافع عن ابن عمر ، وسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ، وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة . [ ص: 326 ] ( أو ) جمعوا ( طرقا ) لحديث واحد ; كطرق حديث قبض العلم للطوسي ونصر المقدسي وغيرهما ، وطرق حديث ( طلب العلم فريضة ) لبعضهم ، وطرق حديث ( من كذب علي ) للطبراني وغيره في مقاصد لهم في التصنيف يطول شرحها .

وإذا جمعت على المسانيد فميز المرفوع من الموقوف ، وتحرز من إدخال المراسيل لظنك صحبة المرسل ، أو على الأبواب الذي هو أسهل مطلقا كما صرح به جماعة ، منهم الخطيب كما قدمته ، وابن الأثير وقال : لكون المرء غالبا قد يعرف المعنى الذي يطلب الحديث لأجله دون راويه ، ولكفايته المؤونة في استنباط ذاك الحكم المترجم به ، فلا يحتاج إلى تفكر فيه .

ومدحه وكيع بقوله : إن أردت الآخرة فصنف الأبواب . وقال فيه الشعبي : باب من الطلاق جسيم . وكان الثوري صاحب أبواب ، فقدم منها - كما قال الخطيب - الأحاديث المسندات ، ثم المراسيل والموقوفات ومذاهب القدماء من مشهوري الفقهاء .

وقد قال إبراهيم الحربي : الأبواب تبنى على أربع طبقات ; فطبقة المسند ، وطبقة الصحابة ، وطبقة التابعين ، ويقدم قوم الكبار منهم ; مثل شريح وعلقمة والأسود والشعبي وإبراهيم ومكحول والحسن ، وبعدهم من هو أصغر منهم ، وبعد هؤلاء أتباع التابعين ; مثل الثوري ومالك وربيعة وابن هرمز والحسن بن صالح وعبد الله بن الحسن وابن أبي ليلى وابن شبرمة والأوزاعي .

قال الخطيب : ( ولا تورد من ذلك إلا ما ثبتت عدالة رجاله ، واستقامت أحوال [ ص: 327 ] رواته ، يعني فإنك بصدد الاحتجاج والاستدلال المطلوب فيه الاحتياط بخلاف المسانيد ، ومن هنا كانت أعلى رتبة كما سبق قبيل الضعيف ) .

قال الخطيب : ( فإن لم يصح في الباب حديث مسند فاقتصر على إيراد الموقوف والمرسل ، قال : وهذان النوعان أكثر ما في كتب المتقدمين ; إذ كانوا للكثير من المسندات مستنكرين ) .

وقد قال أبو نعيم الفضل بن دكين لمحمد بن يحيى بن كثير : ( سلني ولا تسألني عن الطويل ولا المسند ، أما الطويل فكنا لا نحفظ ، وأما المسند فكان الرجل إذا والى بين حديثين مسندين رفعنا إليه رؤوسنا استنكارا لما جاء به ) . انتهى .

والاقتصار في الأبواب على ما ثبتت عدالة رواته هو الأولى ، وبذلك صرح شيخنا ، فقال : والأولى أن يقتصر على ما صح أو حسن ، فإن جمع الجميع فليبين علة الضعيف .

قال ابن دقيق العيد : ولتكن عنايته بالأولى فالأولى ، ونحن نرى أن أهمها ما يؤدي إلى معرفة صحيح الحديث ، قال : ومن الخطأ الاشتغال بالتتمات والتكميلات مع تضييع المهمات .

وليتحر العبارات الواضحة والاصطلاحات المستعملة ، ولا يقصد بشيء منه المكاثرة . قال ابن الصلاح : وعليه في كل ذلك تصحيح القصد ، والحذر من قصد المكاثرة ونحوه ، وقد بلغنا عن حمزة بن محمد الكناني أنه خرج حديثا واحدا من نحو مائتي طريق ، فأعجبه ذلك ، فرأى يحيى بن معين في منامه ، فذكر له [ ص: 328 ] ذلك ، فقال له : أخشى أن يدخل هذا تحت ألهاكم التكاثر .

التالي السابق


الخدمات العلمية