فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ تعريف العزيز ] : ( فإن عليه ) ; أي : المروي من طريق إمام يجمع حديثه ، ( يتبع ) راويه ، ( من واحد ) فقط ، ( و ) كذا من ( اثنين فـ ) ـهو كما قال ابن الصلاح تبعا لابن منده : النوع الذي يقال له : ( العزيز ) . وسمي بذلك إما لقلة وجوده ; لأنه يقال : عز الشيء يعز ، بكسر العين في المضارع ، عزا وعزازة ; إذا قل بحيث لا يكاد يوجد ، وإما لكونه قوي واشتد بمجيئه من طريق آخر ، من قولهم : عز يعز ، بفتح العين في المضارع ، عزا وعزازة أيضا ; إذا اشتد وقوي . ومنه قوله تعالى : ( فعززنا بثالث ) [ يس : 145 ] ; أي : قوينا وشددنا . وجمع العزيز عزاز ، مثل : كريم وكرام ; كما قال الشاعر :

بيض الوجوه ألبة ومعاقل في كل نائبة عزاز الأنفس

[ ص: 8 ] ثم هو ظاهر في الاكتفاء بوجود ذلك في طبقة واحدة ، بحيث لا يمتنع أن يكون في غيرها من طباقه غريبا ، بأن ينفرد به راو آخر عن شيخه ، بل ولا يكون مشهورا لاجتماع ثلاثة فأكثر على روايته في بعض طباقه أيضا . ومشى على ذلك شيخنا ; حيث وصف حديث شعبة عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر مرفوعا : ( أمرت أن أقاتل الناس ) ، بأنه غريب ; لتفرد شعبة به عن واقد ، ثم لتفرد أبي غسان المسمعي به عن عبد الملك بن الصباح راويه ، عن شعبة . وعزيز ; لتفرد حرمي بن عمارة وعبد الملك بن الصباح به عن شعبة ، ثم لتفرد عبد الله بن محمد المسندي وإبراهيم بن محمد بن عرعرة به عن حرمي .

وسبقه لنحوه ابن الصلاح ; حيث مثل للمشهور بحديث : ( الأعمال بالنيات ) ، مع كون أول سنده فردا ، والشهرة إنما طرأت له من عند يحيى بن سعيد . بل قال في الغريب عن هذا الحديث : إنه غريب مشهور ، وذلك بوجهين واعتبارين .

وقال أبو نعيم في حديث سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن ابن الحنفية ، عن علي رفعه : ( مفتاح الصلاة التكبير ) : إنه مشهور ، لا نعرفه إلا من حديث ابن عقيل . فقال شيخنا : إن مراده أنه مشهور من حديث ابن عقيل . فهذه الشهرة النسبية نظير الغرابة النسبية في قوله فيما ينفرد به الراوي عن شيخه : غريب . وإنما المراد أنه فرد عن ذلك الشيخ من رواية هذا بخصوصه عنه ، مع أن الشيخ قد يكون توبع عليه عن شيخه .

وعلى هذا فيخرج الحكم على حديث الأعمال بأنه فرد في أوله ، مشهور في آخره ، يريد أنه اشتهر عمن انفرد به ، فهي شهرة نسبية لا مطلقة . وعلى هذا مشى بعض المتأخرين ممن أخذت عنه ، فعرف العزيز اصطلاحا : بأنه الذي يكون في طبقة من طباقه راويان فقط . ولكن لم يمش شيخنا في [ ص: 9 ] توضيح النخبة على هذا ; فإنه وإن خصه بوروده من طريق راويين فقط ، عنى به كونه كذلك في جميع طباقه ، وقال مع ذلك : إن مراده أن لا يرد بأقل منهما ، فإن ورد بأكثر في بعض المواضع من السند الواحد لا يضر ; إذ الأقل في هذا يقضي على الأكثر .

وإذا تقرر هذا فما كانت العزة فيه بالنسبة لراو واحد انفرد راويان عنه يقيد فيقال : عزيز من حديث فلان . وأما عند الإطلاق فينصرف لما أكثر طباقه كذلك ; لأن وجود سند على وتيرة واحدة برواية اثنين قد ادعى فيه ابن حبان عدم وجوده ، وكاد شيخنا أن يوافقه ; حيث قال : إنه يمكن أن يسلم بخلافه في الصورة التي قررناها ، وهي أن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين ، يعني كما حرره هو فإنه موجود . مثاله ما رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أنس ، والبخاري فقط من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده ) الحديث .

ورواه عن أنس كما في الصحيحين أيضا قتادة وعبد العزيز بن صهيب . ورواه عن قتادة شعبة كما في الصحيحين وسعيد على ما يحرر ; فإني قلدت شيخنا فيه مع وقوفي عليه بعد الفحص . ورواه عن عبد العزيز إسماعيل ابن علية كما في الصحيحين ، وعبد الوارث بن سعيد كما في مسلم ، ورواه عن كل جماعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية