فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ تعريف المشهور والمستفيض ] ( أو ) أن يتبع راويه عن ذاك الإمام من ( فوق ) بالبناء على الضم - أي : فوق ذلك - كثلاثة فأكثر ، ما لم يبلغ حد التواتر ، ( فمشهور ) ; أي : النوع الذي يقال له : المشهور .

وعبارة ابن الصلاح في تعريفه تبعا لابن منده : فإذا روى الجماعة عنهم - أي : عن واحد من الأئمة الذين يجمع حديثهم [ ص: 10 ] حديثا سمي مشهورا .

وبمقتضى ما عرفا به العزيز أيضا يجتمعان فيما إذا رواه ثلاثة ، ويختص العزيز باثنين ، والمشهور بأكثر من الثلاثة . وأما بالنظر لما عرفه به شيخنا فلا يجتمعان .

ثم إنه لا انحصار لهما أيضا في كون المنفرد عنه ممن يجمع حديثه ، بل يشمل كل منهما ما لا يكون راويه كذلك ، وكذا ما ينفرد به الراويان في العزيز عن راويين ، والرواة في المشهور عن ثلاثة أو عن اثنين ، وما تكون الشهرة في غالب طباقه ، بحيث يحسن إطلاقهما حينئذ دونها في بعض طباقه ، كما قدمته في العزيز إلى غيرها من الصور ، فاعلمه .

وسمي مشهورا ; لوضوح أمره ، يقال : شهرت الأمر أشهره شهرا وشهرة فاشتهر .

وهو المستفيض على رأي جماعة من أئمة الفقهاء والأصوليين وبعض المحدثين .

سمي بذلك لانتشاره وشياعه في الناس ، من فاض الماء يفيض فيضا وفيضوضة ; إذا كثر حتى سال على ضفة الوادي .

قال شيخنا : ومنهم من غاير بينهما بأن المستفيض يكون في ابتدائه وانتهائه ، يعني وفيما بينهما سواء ، والمشهور أعم من ذلك ، بحيث يشمل ما كان أوله منقولا عن الواحد ; كحديث الأعمال ، وإن انتقد ابن الصلاح في التمثيل به ، ولا انتقاد بالنظر لما اقتصر عليه في تعريفه ; إذ الشهرة فيه نسبية ، وقد ثبت عن أبي إسماعيل الهروي الملقب شيخ الإسلام أنه كتبه عن سبعمائة رجل من أصحاب يحيى بن سعيد ، واعتنى الحافظ أبو القاسم بن منده بجمعهم وترتيبهم ، [ ص: 11 ] بحيث جمع نحو النصف من ذلك .

ومنهم من غاير على كيفية أخرى ، يعني بأن المستفيض ما تلقته الأمة بالقبول دون اعتبار عدد .

ولذا قال أبو بكر الصيرفي والقفال : إنه هو والمتواتر بمعنى واحد . ونحوه قول شيخنا في المستفيض : إنه ليس من مباحث هذا الفن . يعني كما في المتواتر على ما سيأتي ، بخلاف المشهور ; فإنه قد اعتبر فيه هذا العدد المخصوص ، سواء كان صحيحا أم لا .

( و ) لكن لا اختصاص له بشموله الصحيح وغيره ، بل ( كل ) من الأنواع الثلاثة المشروحة ، ( قد رأوا ) ; أي : أهل الحديث ، ( منه الصحيح ) ; يعني المحتج به الشامل الحسن ، ( والضعيف ) . ولا ينافي واحد منها واحدا منهما ، وإن لم يصرح ابن الصلاح بذلك في العزيز ، ولكن الضعف في الغريب أكثر ; ولذا كره جمع من الأئمة تتبع الغرائب ، فقال أحمد : لا تكتبوها ; فإنها مناكير ، وعامتها عن الضعفاء .

وسئل عن حديث ابن جريج عن عطاء ، عن ابن عباس : ( تردين عليه حديقته ) ، فقال : إنما هو مرسل . فقيل له : إن ابن أبي شيبة زعم أنه غريب . فقال أحمد : صدق ، إذا كان خطأ فهو غريب .

وقال أبو حنيفة : من طلبها كذب . وقال مالك : شر العلم الغريب ، وخيره الظاهر الذي قد رواه الناس .

وعن عبد الرزاق قال : كنا نرى أن الغريب خير ، فإذا هو شر .

التالي السابق


الخدمات العلمية