فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ ذكر أمهات الكتب في هذا الفن ] وممن جمع في ذلك اليسير أيضا الحسين بن عياش أبو بكر السلمي ومحمد بن المستنير أبو علي المعروف بقطرب . وكانت وفاتهما قبل معمر ، الأول بست سنين ، والثاني بأربع . ثم جمع عبد الملك بن قريب الأصمعي عصري معمر ، بل المتوفى بعده في سنة ثلاث عشرة ومائتين ، كتابا ، فزاد وأحسن . في آخرين من أئمة الفقه واللغة جمعوا أحاديث تكلموا على لغتها ومعناها في أوراق ذوات عدد . ولم يكد أحد منهم ينفرد عن غيره بكبير أمر لم يذكره الآخر ، وكذا صنف أبو عبد الرحمن اليزيدي في ذلك .

[ ص: 27 ] ( ثم تلى ) الجميع قريبا من هذا الآن ( أبو عبيد ) القاسم بن سلام ، المتوفى في سنة أربع وعشرين ومائتين ( 224هـ ) ، فجمع كتابه المشهور في غريب الحديث والآثار ، تعب فيه جدا ; فإنه أقام فيه أربعين سنة بحيث استقصى وأجاد بالنسبة لمن قبله ، ووقع من أهل العلم بموقع جليل ، وصار قدوة في هذا الشأن كما قال ابن الصلاح وغيره ، حتى إن ابن كثير قال : إنه أحسن شيء وضع فيه ، يعني قبله . ولكنه غير مرتب ، فرتبه الشيخ موفق الدين بن قدامة على الحروف ، ولم يزل الناس ينتفعون بكتاب أبي عبيد . وعمل أبو سعيد الضرير كتابا في التعقب عليه .

وكذا ممن جمع الغريب في هذا الوقت الإمام أبو الحسن علي بن المديني ، وأحمد بن الحسن الكندي البغدادي تلميذ معمر ، وأبو عمرو شمر بن حمدويه المتوفى في سنة ست وخمسين ومائتين ( 256هـ ) . وكتابه يقال : إنه قدر كتاب أبي عبيد مرارا .

( واقتفى ) أثر أبي عبيد وحذا حذوه أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ( القتبي ) بضم القاف وفتح المثناة نسبة لجده ، وكانت وفاته في سنة ست وسبعين ومائتين ، فصنف كتابه المشهور وجعله ذيلا على كتاب أبي عبيد ، فكان [ ص: 28 ] أكبر حجما من أصله ، مع أنه أضاف إليه التنبيه على كثير من أوهامه ، بل وأفرد للاعتراض عليه كتابا سماه إصلاح الغلط .

وقد انتصر لأبي عبيد أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في جزء لطيف رد فيه على ابن قتيبة ، لكن قال لنا شيخنا عن شيخه المصنف : إن ابن قتيبة كان كثير الغلط .

وكذا صنف فيه أبو إسحاق الحربي أحد معاصري ابن قتيبة ، والمتوفى بعده في سنة خمس وثمانين ، كتابا حافلا ، أطاله بالأسانيد وسياق المتون بتمامها ، ولو لم يكن في المتن من الغريب إلا كلمة ، فهجر لذلك كتابه مع جلالة مصنفه وكثرة فوائد كتابه . ثم صنف فيه غير واحد من المائة الثالثة أيضا ; كأبي العباس المبرد المتوفى سنة خمس وثمانين ، وثعلب المتوفى سنة إحدى وتسعين ، وأبي الحسن محمد بن عبد السلام الخشي المتوفى سنة ست وثمانين .

ومن المائة الرابعة ; كأبي محمد قاسم بن ثابت بن حزم السرقسطي ، المتوفى سنة اثنتين . وكتابه ، واسمه ( الدلائل ) ، ذيل على كتاب القتيبي ، وكان قاسم قد ابتدأه ، ثم مات قبل أن يكمله ، فأكمله أبوه ; لتأخر وفاته عنه مدة ; فإنه مات سنة ثلاث عشرة . وكأبي بكر بن الأنباري المتوفى سنة ثمان وعشرين ، وأبي عمر الزاهد غلام ثعلب ، المتوفى سنة خمس وأربعين . وغريبه صنفه على مسند أحمد خاصة ، وهو حسن جدا فيما قيل .

( ثم ) بعدهم أبو سليمان ( حمد ) هو ابن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي [ ص: 29 ] المتوفى سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ( 388هـ ) ، ( صنفا ) كتابه المعروف ، وهو أيضا ذيل على القتيبي مع التنبيه على أغاليطه .

فهذه الثلاثة - أعني كتب الخطابي والقتيبي وأبي عبيد - أمهات الكتب المؤلفة في ذلك ، وإليها المرجع في تلك الأعصار . ووراءها - كما قال ابن الصلاح - مجاميع تشتمل من ذلك على زوائد وفوائد كثيرة ، بحيث كما قال ابن الأثير : لم يخل زمن من مصنف فيه .

ومنها في المائة الخامسة كتاب أبي عبيد أحمد بن محمد بن محمد الهروي صاحب أبي منصور الأزهري اللغوي وعصري الخطابي ، بل والمتأخر بعده ; فإنه مات سنة إحدى وأربعمائة ( 401هـ ) ، جمع فيه بين كتابي أبي عبيد وابن قتيبة وغيرهما ممن تقدم ، مع زيادات جمة ، وإضافته لذلك غريب القرآن ، مرتبا لذلك كله على حروف المعجم ، فكان أجمع مصنف في ذلك قبله . واختصره الفقيه أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي المتوفى سنة سبع وأربعين ( 47هـ ) ، وسماه ( تقريب الغريبين ) . وكذا اختصره مع زيادات يسيرة الحافظ أبو الفرج بن الجوزي المتوفى في أواخر المائة السادسة سنة سبع وتسعين . بل وجمع الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر البغدادي - وكانت وفاته سنة خمسين وخمسمائة ( 550هـ ) - أوهامه في تصنيف مستقل . وذيل عليه على طريقته في الغريبين والترتيب [ ص: 30 ] الحافظ أبو موسى المديني ذيلا حسنا ، ثم جمع بينهما - أعني كتاب الهروي والذيل عليه لأبي موسى مقتصرا على الحديث خاصة - المجد أبو السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري مع زيادات جمة ، فكان كتابه النهاية كاسمه ، وعول عليه كل من بعده ; لجمعه وسهولة التناول منه ، مع إعواز قليل فيه . ويقال : إن الصفي محمود بن محمد بن حامد الأرموي ذيل عليه أو كتب على نسخته منه حواشي ، فأفردها غيره ، كما أن للمصنف على نسخته منه أيضا حواشي كثيرة ، كان عزمه تجريدها في ذيل كبير ، وما أظنه تيسر ، وقد اختصرها غير واحد .

وكذا لابن الأثير كتاب آخر سماه ( منال الطالب في شرح طوال الغرائب ) في مجلد . بل وله شرح غريب كتابه ( جامع الأصول ) في مجلد . وكانت وفاته آخر يوم من سنة ست وستمائة ( 606هـ ) .

ومنها كتاب ( الفائق ) لأبي القاسم الزمخشري من أنفس الكتب ; لجمعه المتفرق في مكان واحد مع حسن الاختصار وصحة النقل . وهو وإن كان على حروف المعجم فهو ملتزم استيفاء ما في كل حديث من غريب في حرف من حروف بعض كلماته ، فعسر لذلك الكشف منه بالنسبة لكتاب الهروي ، ولكنه أسهل تناولا من كثير ممن قبله . وكانت وفاة مؤلفه سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة ( 538هـ ) .

ومنها ( مجمع الغرائب ) للحافظ أبي الحسين عبد الغافر بن إسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيسابوري ، المتوفى سنة تسع وعشرين وخمسمائة ( 529هـ ) . ورأيت في كلام الزركشي بعد أن ذكر النهاية ما نصه : وزاد [ ص: 31 ] عليه الكاشغري في مجمع الغرائب ، فينظر .

ومنها كتاب ( المشارق ) للقاضي عياض المتوفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة ( 544هـ ) . وهو أجل كتاب ، جمع فيه بين ضبط الألفاظ واختلاف الروايات وبيان المعنى ، لكنه خصه بالموطأ والصحيحين مع ما أضاف إليه من مشتبه الأسماء والأنساب . وينسب لأبي إسحاق بن قرقول تلميذ القاضي عياض المتوفى بعده في سنة تسع وستين كتاب ( المطالع ) .

والظاهر أنه منتزع من ( المشارق ) لشيخه ، مع التوقف في كونه نسبه لنفسه ، وقد نظمه الإمام شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الموصلي فأحسن ما شاء . وكذا في الغريب ( المجرد ) لعبد الله بن يوسف البغدادي ، و ( قنعة الأريب في تفسير الغريب ) لبعضهم ، وغيره لمحمد بن جعفر النحوي ، وما لا يحصى كثرة ، وغريب البخاري خاصة لأبي الوليد بن الصابوني ، وغريب الموطأ لبعضهم . وكذا جرد بعضهم من بعض شروح [ ص: 32 ] مسلم غريبه ، فهذا ما علمته الآن من كتب غريب الحديث .

قال ابن كثير : وأجل كتاب يوجد فيه مجامع ذلك كتاب ( الصحاح ) للجوهري . قلت : و ( القاموس ) للمجد الشيرازي شيخ شيوخنا . وهو - كما قال ابن الصلاح - يقبح جهله بأهل الحديث خاصة ، ثم بأهل العلم عامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية