فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
بل ذكر الحافظ أبو طاهر السلفي اتفاق علماء المشرق والمغرب على صحة الكتب الخمسة ( فقد أتى تساهلا صريحا ) ; لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا ، أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف ، قال ابن الصلاح : وقد صرح أبو داود فيما قدمناه بانقسام ما في كتابه إلى صحيح وغيره ، والترمذي مصرح فيما في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن .

وأما حمل ابن سيد الناس في شرحه للترمذي قول السلفي على ما لم يقع التصريح فيه من مخرجها وغيره بالضعف - فيقتضي كما قال الشارح في الكبير - أن ما كان في الكتب الخمسة مسكوتا عنه ، ولم يصرح بضعفه أن يكون صحيحا ، وليس هذا الإطلاق صحيحا ، بل في كتب السنن أحاديث لم يتكلم فيها الترمذي أو أبو داود ، ولم نجد لغيرهم فيها كلاما ، ومع ذلك فهي ضعيفة .

وأحسن من هذا قول النووي : مراد السلفي : أن معظم الكتب الثلاثة يحتج به ، أي : صالح لأن يحتج به ; لئلا يرد على إطلاق عبارته المنسوخ أو المرجوح عند المعارضة .

ويجوز أن يقال : إنه لم يعتبر الضعيف الذي فيها ; لقلته بالنسبة إلى النوعين .

وبالجملة فكتاب النسائي أقلها بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ; ولذلك قال ابن رشيد : إنه أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفا ، وأحسنها ترصيفا ، وهو جامع بين طريقتي البخاري ومسلم ، مع حظ كبير من بيان العلل .

[ ص: 115 ] بل قال بعض المكيين من شيوخ ابن الأحمر : إنه أشرف المصنفات كلها ، وما وضع في الإسلام مثله . انتهى .

ويقاربه كتاب أبي داود ، بل قال الخطابي : إنه لم يصنف في علم الدين مثله ، وهو أحسن وصفا ، وأكثر فقها من الصحيحين .

ويقاربه كتاب الترمذي ، بل كان أبو إسماعيل الهروي قال : هو عندي أنفع من كتابي البخاري ومسلم ; لأنهما لا يقف على الفائدة منها إلا المتبحر العالم ، وهو يصل إلى الفائدة منه كل أحد من الناس .

فأما كتاب ابن ماجه فإنه تفرد بأحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث ، مما حكم عليها بالبطلان أو السقوط أو النكارة ، حتى كان العلائي يقول : ينبغي أن يكون كتاب الدارمي سادسا للخمسة بدله ، فإنه قليل الرجال الضعفاء ، نادر الأحاديث المنكرة والشاذة ، وإن كانت فيه مرسلة وموقوفة ، فهو مع ذلك أولى منه .

على أن بعض العلماء كرزين السرقسطي وتبعه المجد بن الأثير في جامع الأصول وكذا غيره جعلوا السادس الموطأ .

ولكن أول من أضاف ابن ماجه إلى خمسة أبو الفضل بن طاهر ; حيث أدرجه معها في الأطراف ، وكذا في شروط الأئمة الستة ، ثم الحافظ عبد الغني في كتاب ( الكمال في أسماء الرجال ) الذي هذبه الحافظ المزي ، وقدموه على الموطأ ; لكثرة زوائده على الخمسة ، بخلاف [ ص: 116 ] الموطأ .

( ودونها ) أي : كتب السنن ( في رتبة ) أي : رتبة الاحتجاج الذي هو أصل بقية المبوبين ( ما جعلا على المسانيد ) التي موضوعها جعل حديث كل صحابي على حدة من غير تقيد بالمحتج به ، ( فـ ) بهذا السبب ( يدعى ) فيه الحديث الدعوة ( الجفلا ) بفتح الجيم والفاء مقصورا ، أي : العامة للمحتج به وغيره وهو استعارة ، يقال : دعا فلان الجفلا ، إذا عم بدعوته ، ولم يخص قوما دون قوم ، والنقرى وزنه أيضا هي الخاصة .

وكان الركون لأجل هذا لما يورد في تلك أكثر ، لا سيما واستخراج الحاجة منها أيسر ، وإن جلت مرتبة هذه بجلالة مؤلفيها ، وتقدم تأريخ من سأسميه منهم ، لا سيما وقد نقل البيهقي في المدخل عن شيخه الحاكم الفرق بين التصنيف على الأبواب والتراجم .

فقال : التراجم يذكر فيها ما روى الصحابي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول المصنف : ذكر ما روي عن أبي بكر الصديق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يترجم على ذلك المسند ، فيقول : ذكر ما روى قيس بن أبي حازم عن أبي بكر ، فيورد جميع ما وقع له من ذلك صحيحا كان أو سقيما .

وأما الأبواب فإن مصنفها يقول : كتاب الطهارة مثلا ، فكأنه يقول : ذكر ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أبواب الطهارة ثم يوردها . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية