فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
وهل يدخل من رآه ميتا قبل أن يدفن ؟ كما وقع لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر إن صح . قال العز بن جماعة : لا على المشهور . وقال شيخنا : إنه محل نظر . والراجح عدم الدخول ، وإلا لعد من اتفق أن يرى جسده المكرم وهو في قبره المعظم ولو في هذه الأعصار ، وكذلك من كشف له عنه من الأولياء فرآه كذلك على طريق الكرامة ; إذ حجة من أثبت الصحبة لمن رآه قبل دفنه أنه مستمر الحياة ، وهذه الحياة ليست دنيوية ، وإنما هي أخروية ، لا تتعلق بها أحكام الدنيا ; فإن الشهداء أحياء ، ومع ذلك فإن الأحكام المتعلقة بهم بعد القتل جارية على سنن غيرهم من الموتى . انتهى .

وسبقه شيخه المؤلف فمال أيضا إلى المنع ; فإنه قال في التقييد الظاهر اشتراط الرؤية وهو حي ، لكنه علله بما هو غير مرضي ; حيث قال : فإنه قد انقطعت النبوة بوفاته - صلى الله عليه وسلم - . ولذا لما أشار ابن جماعة إلى حكايته مع إبهام قائله توقف فيه وقال : إنه محل بحث وتأمل . بل أضرب المؤلف نفسه في شرحه عن التعليل به مقتصرا على الحكم فقط ، وكأنه رجوع منه عنه .

وقال العلائي : إنه لا يبعد أن يعطى حكم الصحبة ; لشرف ما حصل له من [ ص: 82 ] رؤيته - صلى الله عليه وسلم - قبل دفنه وصلاته عليه . قال : وهو أقرب من عد المعاصر الذي لم يره أصلا فيهم ، أو الصغير الذي ولد في حياته . وقال البدر الزركشي : ظاهر كلام ابن عبد البر نعم ; لأنه أثبت الصحبة لمن أسلم في حياته وإن لم يره ، يعني فيكون من رآه قبل الدفن أولى . وجزم البلقيني بأنه يعد صحابيا ; لحصول شرف الرؤية له ، وإن فاته السماع ، قال : وقد ذكره في الصحابة الذهبي في التجريد . وما جنح إليه شيخنا من ترجيح عدم دخوله قد سبقه إليه الزركشي ، فقال : الظاهر أنه غير صحابي . انتهى . وعلى هذا فيزاد في التعريف : قبل انتقاله من الدنيا .

وكذا لا يدخل من رآه في المنام ; كما جزم به البلقيني ثم شيخنا ، وإن كان قد رآه ، فذلك فيما يرجع إلى الأمور المعنوية ، لا الأحكام الدنيوية ، حتى لا يجب عليه أن يعمل بما أمره به في تلك الحالة . بل جزم البلقيني بعدم دخول من رآه ليلة الإسراء ، يعني من الأنبياء والملائكة عليهم السلام ممن لم يبرز إلى عالم الدنيا . وبهذا القيد دخل فيهم عيسى ابن مريم عليه السلام ; ولذا ذكره الذهبي في تجريده ، وتبعه شيخنا ووجهه باختصاصه عن غيره من الأنبياء بكونه رفع على أحد القولين حيا ، وبكونه ينزل إلى الأرض فيقتل الدجال ويحكم بشريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فبهذه الثلاث يدخل في تعريف الصحابة .

وجعل بعضهم دخول الملائكة فيهم مبنيا على أنه هل كان مبعوثا إليهم أم لا ؟ وعلى الثاني مشى الحليمي وأقره البيهقي في الشعب . بل نقل الفخر الرازي في ( أسرار التنزيل ) الإجماع عليه ، وحكاه والبرهان النسفي في تفسيرهما ، ونوزعا في ذلك . ورجح التقي السبكي مقابله ; محتجا بما يطول شرحه .

قال شيخنا : وفي صحة بناء دخولهم في الصحابة على هذا الأصل نظر لا يخفى . وما قاله ظاهر ، لكنه خالفه في الفتح ; حيث مشى على البناء المشار إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية