فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء

82 - كمسند الطيالسي وأحمدا وعده للدارمي انتقدا

.

والمسانيد كثيرة ( كمسند ) الحافظ الثقة أبي داود سليمان بن الجارود القرشي الفارسي الأصل البصري ( الطيالسي ) نسبة إلى الطيالسة التي تجعل على العمائم ، مات بالبصرة في ربيع الأول ، سنة أربع أو ثلاث ومائتين ( 203 أو 204 هـ ) عن نحو سبعين سنة .

وهذا المسند يسير بالنسبة لما كان عنده ، فقد كان يحفظ أربعين ألف حديث ، والسبب في ذلك عدم تصنيفه هو له ، إنما تولى جمعه بعض حفاظ [ ص: 117 ] الأصبهانيين من حديث يونس بن حبيب الراوي عنه .

وكمسند أبي محمد عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي ، وأبي بكر الحميدي ، وأبي الحسن مسدد بن مسرهد ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ، والإمام المبجل ( أحمد ) الآتي ذكره في الوفيات ، وابن أبي عمر العدني ، وأبي جعفر أحمد بن منيع ، وأبي محمد عبد بن حميد الكشي ، وغيرهم ممن عاصرهم ، أو كان بعدهم .

ولكن ( عده ) أي : ابن الصلاح في علومه ( للدارمي ) أي : لمسند الدارمي ، نسبة إلى دارم بن مالك ، بطن كبير من تميم ، وهو الحافظ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل التميمي السمرقندي ، توفي في يوم التروية ، ودفن في يوم عرفة سنة خمس وخمسين ومائتين ( 255هـ ) ، ومولده سنة إحدى وثمانين ، في المسانيد ( انتقدا ) عليه ; فإنه على الأبواب ، كما علم مما قدمته قريبا ، على أنه يحتمل - على بعد - أن يكون أراد مسنده الذي ذكره الخطيب في تصانيفه ، فإنه قال : إنه صنف المسند والتفسير والجامع .

وكذا انتقد بعضهم على ابن الصلاح - كما قرأته بخط الشارح - تفضيل كتب السنن على " مسند أحمد " الذي هو أكبر هذه المسانيد بل مطلقا ، وأحسنها سياقا ، متمسكا بكونه لم يدخل فيه إلا ما يحتج به ، كما دل عليه عدم استيعاب ما عنده من أحاديث الصحابة فيه ، وإنما انتقاه من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألف حديث ، وقال : ما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارجعوا إليه ، [ ص: 118 ] فإن وجدتموه فيه ، وإلا فليس بحجة ، بل بالغ بعضهم فأطلق عليه الصحة .

والحق أن فيه أحاديث كثيرة ضعيفة ، وبعضها أشد في الضعف من بعض ، حتى إن ابن الجوزي أدخل كثيرا منها في " موضوعاته " ، ولكن قد تعقبه في بعضها الشارح وفي سائرها أو جلها شيخنا ، وحقق كما سمعته منه نفي الوضع عن جميع أحاديثه ، وأنه أحسن انتقاء وتحريرا من الكتب التي لم تلتزم الصحة في جمعها .

قال : وليست الأحاديث الزائدة فيه على ما في الصحيحين بأكثر ضعفا من الأحاديث الزائدة في " سنن أبي داود " والترمذي عليهما .

وبالجملة فسبيل من أراد الاحتجاج بحديث من السنن ، لا سيما ابن ماجه ومصنف ابن أبي شيبة ، وعبد الرزاق مما الأمر فيها أشد ، أو بحديث من المسانيد واحد ; إذ جميع ذلك لم يشترط من جمعه الصحة ولا الحسن خاصة .

وهذا المحتج إن كان متأهلا لمعرفة الصحيح من غيره ، فليس له أن يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده ، وحال رواته .

كما أنه ليس له أن يحتج بحديث من المسانيد ، حتى يحيط علما بذلك ، وإن كان غير متأهل لدرك ذلك ، فسبيله أن ينظر في الحديث ، فإن وجد أحدا من الأئمة صححه أو حسنه ، فله أن يقلده ، وإن لم يجد ذلك ، فلا يقدم على الاحتجاج به ، فيكون كحاطب ليل ، فلعله يحتج بالباطل ، وهو لا يشعر .

التالي السابق


الخدمات العلمية