فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ المكثرون من الصحابة ] الرابعة : في المكثرين من الصحابة رضي الله عنهم رواية وإفتاء . ( والمكثرون ) منهم رواية كما قاله أحمد فيما نقله ابن كثير وغيره ، الذين زاد حديثهم على ألف ( ستة ) ، وهم : ( أنس ) هو ابن مالك ، و ( ابن عمر ) عبد الله ، وأم المؤمنين عائشة ( الصديقة ) ابنة الصديق ، و ( البحر ) عبد الله بن عباس . وسمي بحرا ; لسعة علمه وكثرته ، وممن سماه بذلك أبو الشعثاء جابر بن زيد أحد التابعين ممن أخذ عنه ، فقال في شيء : وأبى ذلك البحر ، يريد ابن عباس . و ( جابر ) هو ابن عبد الله ، و ( أبو هريرة ) ، وهو بإجماع حسبما حكاه النووي ( أكثرهم ) كما قاله سعيد بن أبي الحسن وابن حنبل ، وتبعهما ابن الصلاح غير متعرض لترتيب من عداه في [ ص: 103 ] الأكثرية . والذي يدل لذلك ما نسب لبقي بن مخلد مما أودعه في مسنده خاصة كما أفاده شيخنا لا مطلقا ; فإنه روى لأبي هريرة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وستين ، ولابن عمر ألفين وستمائة وثلاثين ، ولأنس ألفين ومائتين وستة وثمانين ، ولعائشة ألفين ومائتين وعشرة ، ولابن عباس ألفا وستمائة وستين ، ولجابر ألفا وخمسمائة وأربعين . ولهم سابع نبه عليه المصنف تبعا لابن كثير ، وهو أبو سعيد الخدري ، فروى له بقي ألفا ومائة وسبعين ، وقد نظمه البرهان الحلبي فقال :

أبو سعيد نسبة لخدرة سابعهم أهمل في القصيدة .

وكذا أدرج ابن كثير في المكثرين ابن مسعود وابن عمرو بن العاص ، ولم يبلغ حديث واحد منهما عند بقي ألفا ; إذ حديث أولهما عنده ثمانمائة وثمانية وأربعون ، وثانيهما سبعمائة . واستثناء أبي هريرة له من كونه أكثر الصحابة حديثا كما في الصحيح لا يخدش فيما تقدم ولو كان الاستثناء متصلا ، فقد أجيب بأن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم ، فقلت الرواية عنه ، أو أن أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار كان بمصر أو بالطائف ، ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة .

وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث حتى مات ; أو لأن أبا هريرة اختص بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن لا ينسى ما يحدثه به ، فانتشرت روايته ، إلى غير ذلك من الأجوبة .

[ ص: 104 ] والمكثرون منهم إفتاء سبعة : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وزيد بن ثابت ، وعائشة .

قال ابن حزم : يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد من هؤلاء مجلد ضخم . ( والبحر ) ابن عباس ( في الحقيقة أكثر ) الصحابة كلهم على الإطلاق ( فتوى ) فيما قاله الإمام أحمد ، بحيث كان كبار الصحابة يحيلون عليه في الفتوى ، وكيف لا وقد دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ( اللهم علمه الكتاب ) ، وفي لفظ : ( اللهم فقهه في الدين ، وعلمه التأويل ) ، وفي آخر : ( اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب ) ، وفي آخر : ( اللهم بارك فيه وانشر منه ) ؟ ! وقال ابن عمر : هو أعلم من بقي بما أنزل الله على محمد .

وقال أبو بكرة : قدم علينا بالبصرة وما في العرب مثله حشما وعلما وبيانا وجمالا . وقال ابن مسعود : ( لو أدرك أسناننا ما عاشره منا أحد ) . وقالت عائشة : ( هو أعلم الناس بالحج ) . ثم إن وصفه بالبحر ثابت في صحيح البخاري وغيره ، وإنما وصفه بذلك لكثرة علمه كما قال مجاهد فيما أخرجه ابن سعد وغيره . وعند ابن سعد أيضا من طريق ابن جريج عن عطاء أنه كان يقول : قال البحر ، وفعل البحر ، يريد ابن عباس . بل سماه غير واحد : حبر الأمة ، وبعضهم : حبر العرب ، وترجمان القرآن ، ورباني الأمة . قال ابن حزم : ويلي [ ص: 105 ] هؤلاء السبعة في الفتوى عشرون ، وهم : أبو بكر ، وعثمان ، وأبو موسى ، ومعاذ ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو هريرة ، وأنس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وسلمان ، وجابر ، وأبو سعيد ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وعمران بن حصين ، وأبو بكرة ، وعبادة بن الصامت ، ومعاوية ، وابن الزبير ، وأم سلمة . قال : ويمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم جزء صغير . قال : وفي الصحابة نحو من مائة وعشرين نفسا مقلون في الفتيا جدا ، لا تروى عن الواحد منهم إلا المسألة والمسألتان والثلاث ; كأبي بن كعب ، وأبي الدرداء وأبي طلحة والمقداد . وسرد الباقين مما في بعضه نظر ، وقال : ويمكن أن يجمع من فتيا جميعهم بعد البحث جزء صغير .

التالي السابق


الخدمات العلمية