فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ ص: 108 ]

798 - والعد لا يحصرهم فقد ظهر سبعون ألفا بتبوك وحضر      799 - الحج أربعون ألفا وقبض
عن ذين مع أربع آلاف تنض      800 - وهم طباق إن يرد تعديد
قيل : اثنتا عشرة أو تزيد      801 - والأفضل الصديق ثم عمر
وبعده العثمان وهو الأكثر      802 - أو فعلي قبله خلف حكي
قلت : وقول الوقف جا عن مالك      803 - فالستة الباقون فالبدريه
فأحد فالبيعة المرضيه      804 - قال : وفضل السابقين قد ورد
فقيل : هم ، وقيل : بدري وقد      805 - قيل : بل اهل القبلتين واختلف
أيهم أسلم قبل من سلف      806 - قيل : أبو بكر ، وقيل : بل علي
ومدعي إجماعه لم يقبل      807 - وقيل : زيد ، وادعى وفاقا
بعض على خديجة اتفاقا

[ عدد الصحابة ] والثامنة : في إحصائهم . ( والعد ) على المعتمد ( لا يحصرهم ) إجمالا ، فضلا عن تفصيلهم ; لتفرقهم في البلدان والنواحي ، ( فقد ) ثبت قول كعب بن مالك في قصة تبوك بخصوصها : والمسلمون كثير ، لا يجمعهم ديوان حافظ . و ( ظهر ) يعني شهد معه - صلى الله عليه وسلم - كما روي عن أبي زرعة الرازي ( سبعون ألفا بتبوك ) المذكورة . قال : ( وحضر ) معه ( الحج ) ; يعني الذي لم يحج بعد الهجرة غيره ، وودع فيه الناس بالوصية التي أوصاهم بها أن لا يرجعوا بعده كفارا ، وأكد التوديع بإشهاد الله عليهم بأنهم شهدوا أنه قد بلغ ما أرسل إليهم به ; ولذلك سمي حج الوداع ، ( أربعون ألفا ) . ولكثرتهم قال جابر في حكايته صفتها : نظرت إلى مد بصري من بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك . ( وقبض ) - صلى الله عليه وسلم - ( عن ذين ) ; أي : الفريقين [ ص: 109 ] المذكورين في تبوك وحجة الوداع ، وذلك مائة ألف وعشرة آلاف ، ( مع ) زيادة ( أربع آلاف ) على ذلك ، ( تنض ) بكسر النون وتشديد الضاد المعجمة ; أي : يتيسر حصرها تشبيها بنض الدراهم ، وهو تيسرها ، ممن روى عنه وسمع منه أو رآه وسمع منه . قال أبو زرعة ذلك ردا لمن قال له : أليس يقال : حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة آلاف حديث ؟ فقال : ومن ذا قال ذا ؟ قلقل الله أنيابه ، هذا قول الزنادقة ، ومن يحصي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذكره . فقيل له : هؤلاء أين كانوا وأين سمعوا منه ؟ قال : أهل المدينة وأهل مكة ومن بينهما من الأعراب ، ومن شهد معه حجة الوداع ، كل رآه وسمع منه بعرفة . قال ابن فتحون في ذيل ( الاستيعاب ) بعد إيراده لهذا : أجاب به أبو زرعة سؤال من سأله عن الرواة خاصة ، فكيف بغيرهم ؟ انتهى .

وكذا لم يدخل في ذلك من مات في حياته - صلى الله عليه وسلم - في الغزوات وغيرها ، على أنه قد جاء عن أبي زرعة رواية أخرى أوردها أبو موسى المديني في الذيل ، قال : توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن رآه وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان من رجل أو امرأة ، وكل قد روى عنه سماعا أو رؤية ، فعلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثير . ولكنها لا تنافي الأولى ; لقوله فيها : زيادة . مع أنها أقرب لعدم التورط فيها بعهدة الحصر .

نعم ، روى الحاكم في ( الإكليل ) من حديث معاذ قال : ( خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفا ) . وبهذه العدة جزم ابن إسحاق . وأورده الواقدي بإسناد آخر موصول ، وزاد أنه كانت معه عشرة آلاف فرس ، فيمكن أن يكون ذلك في ابتداء خروجهم ، كما يشعر به قوله : خرجنا . وتكاملت العدة بعد ذلك . ووقع لشيخنا في الفتح هنا سهو ، حيث عين قول أبي زرعة في تبوك بأربعين [ ص: 110 ] ألفا ، وجمع بينه وبين قول معاذ أكثر من ثلاثين ألفا باحتمال جبر الكسر ، وجاء ضبط من كان بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح بمكة بأنهم خمسة عشر ألف عنان ، قاله الحاكم ، ومن طريقه أبو موسى في الذيل . بل عنده عن ابن عمر أنه قال : ( وافى النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة بعشرة آلاف من الناس ، ووافى حنينا باثني عشر ألفا ، وقال : ( لن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة ) .

ثم إنه قد جاء فيمن توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم خلاف ما تقدم ، فعن الشافعي كما في مناقبه للآبري والساجي من طريق ابن عبد الحكم عنه ، قال : ( قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ستون ألفا : ثلاثون ألفا بالمدينة ، وثلاثون ألفا في قبائل العرب وغيرها ) . وعن أحمد فيما رواه البيهقي من طريق إبراهيم بن علي الطبري عنه ، قال : ( قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صلى خلفه ثلاثون ألف رجل ) . وكأنه عنى بالمدينة ; ليلتئم مع ما قبله .

وقال الغزالي في الباب الثالث في أعمال الباطن في التلاوة من ربع العبادات من ( الإحياء ) : مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عشرين ألفا من الصحابة . قال المصنف : لعله عنى بالمدينة . وثبت عن الثوري فيما أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه أنه قال : من قدم عليا على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفا ، مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض . ووجه النووي بأن ذلك بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - باثني عشر عاما بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردة والفتوح الكثير ممن لم تضبط أسماؤهم ، ثم مات في خلافة عمر في الفتوح وفي الطاعون العام وعمواس وغير ذلك من لا يحصى كثرة . وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب ، وأكثرهم حضروا حجة [ ص: 111 ] الوداع .

ونقل عياض في ( المدارك ) عن مالك رحمه الله أنه قال : مات بالمدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف نفس . وقال أبو بكر بن أبي داود فيما رواه عن الوليد بن مسلم : بالشام عشرة آلاف عين رأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقال قتادة : نزل الكوفة من الصحابة ألف وخمسون ; منهم أربعة وعشرون بدريون . قال : وأخبرت أنه قدم حمص من الصحابة خمسمائة رجل . وعن بقية : نزلها من بني سليم أربعمائة .

وقال الحاكم : الرواة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة أربعة آلاف . وتعقبه الذهبي بأنهم لا يصلون إلى ألفين ، بل هم ألف وخمسمائة ، وأن كتابه ( التجريد ) لعل جميع من فيه ثمانية آلاف نفس ، إن لم يزيدوا لم ينقصوا ، مع أن الكثير فيهم من لا يعرف . انتهى .

وكذا مع كثرة التكرير وإيراد من ليس هو منهم وهما ، أو من ليس له إلا مجرد إدراك ولم يثبت له لقاء . ووجد بخطه أيضا أن جميع من في أسد الغابة سبعة آلاف وخمسمائة وأربعة وخمسون نفسا . وحصر ابن فتحون عدد من بـ ( الاستيعاب ) في ثلاثة آلاف وخمسمائة ، يعني ممن ذكر فيه باسم أو كنية ، أو حصل الوهم فيه ، وذكر أنه استدرك عليه على شروطه قريبا ممن ذكر . ومن الغريب ما أسنده أبو موسى في آخر الذيل عن ابن المديني قال : الصحابة خمسمائة وثلاثة وستون رجلا .

وبالجملة ، فقد قال شيخنا : إنه لم يحصل لنا جميعا - أي : كل من صنف في الصحابة - الوقوف على العشر من أساميهم بالنسبة إلى ما مضى عن أبي [ ص: 112 ] زرعة . قلت : وفوق كل ذي علم عليم .

وقد قال أبو موسى : فإذا ثبت هذا - يعني : قول أبي زرعة - فكل حكى على قدر ما تتبعه ومبلغ علمه ، وأشار بذلك إلى وقت خاص وحال ، فإذن لا تضاد بين كلامهم ، والله المستعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية