فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ ص: 119 ]

83 - والحكم للإسناد بالصحة أو بالحسن دون الحكم للمتن رأوا      84 - واقبله إن أطلقه من يعتمد
ولم يعقبه بضعف ينتقد      85 - واستشكل الحسن مع الصحة في
متن فإن لفظا يرد فقل صف      86 - به الضعيف أو يرد ما يختلف
سنده فكيف إن فرد وصف      87 - ولأبي الفتح في الاقتراح
إن انفراد الحسن ذو اصطلاح      88 - وإن يكن صح فليس يلتبس
كل صحيح حسن لا ينعكس      89 - وأوردوا ما صح من أفراد
حيث اشترطنا غير ما إسناد

.

[ عدم التلازم بين صحة الإسناد والمتن ] ولما انتهى الكلام على كل من القسمين بانفراده ، ناسب إردافهما بمسألتين متعلقتين بهما ; فلذا قال ابن الصلاح ( والحكم ) الصادر من المحدث ( للإسناد بالصحة ) كهذا إسناد صحيح ( أو بالحسن ) كهذا إسناد حسن ( دون الحكم ) منه بذلك ( للمتن ) كهذا حديث صحيح أو حسن .

كما ( رأوا ) حسب ما اقتضاه تصريحهم بأنه لا تلازم بين الإسناد والمتن ; إذ قد يصح السند أو يحسن ; لاستجماع شروطه من الاتصال ، والعدالة ، والضبط دون المتن ; لشذوذ أو علة ، ولا يخدش في عدم التلازم ما تقدم من أن قولهم : هذا حديث صحيح ، مرادهم به اتصال سنده مع سائر الأوصاف في الظاهر لا قطعا ; لعدم استلزامه الحكم لكل فرد من أسانيد ذاك الحديث .

وعلى كل حال ، فالتقييد بالإسناد ليس صريحا في صحة المتن ولا ضعفه ، بل هو على الاحتمال ، إن صدر ممن لم يطرد له عمل فيه ، أو اطرد فيما لم تظهر له صحة متنه ، ولذلك كان منحط الرتبة عن الحكم للحديث .

( واقبله ) أي : الحكم للإسناد بالصحة أو الحسن في المتن أيضا ( إن أطلقه ) أي : الحكم للإسناد بواحد منهما ( من يعتمد ) أي : ممن عرف باطراد عدم التفرقة بين اللفظين ، خصوصا إن كان في مقام الاحتجاج والاستدلال الذي يظهر أنه الحامل لابن الصلاح على التفرقة ; فإنه قال : غير أن المصنف المعتمد منهم . . . [ ص: 120 ] إلى آخره .

فكأنه خص الأول بمن لم يصنف ممن نقل عنه الكلام على الأحاديث إجابة لمن سأله ، أو صنف لا على الأبواب ، بل على المشيخات والمعاجم ، وما أشبه ذلك ، ولا مانع من هذا الحمل ، فقد قيل بنحوه في العزو لأصل المستخرجات مما ينقل منها بدون مقابلة عليه ; حيث فرق بين التصنيف على الأبواب وغيرها .

ولم يرد ابن الصلاح التفرقة بين المعتمد وغيره ; إذ غير المعتمد لا يعتمد ، اللهم إلا أن يقال : الكل معتمدون ; غير أن بعضهم أشد اعتمادا .

وقد يعبر عن الغاية في العمدة بالجهبذ ( و ) ذلك حيث ( لم يعقبه ) أي : الحكم للإسناد ( بضعف ينتقد ) به المتن إما نقلا عن غيره أو بنقده هو وتصرفه ; إذ الظاهر من هذا الإمام المصنف - كما قال ابن الصلاح - الحكم له بأنه صحيح في نفسه ، أي : في نفس المتن ; لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر ، أي : في هذا المتن خاصة ، نظرا إلى أن هذا الإمام المصنف إنما أطلق بعد الفحص عن انتقاء ذلك ، وإلا فلو كان عدم العلة والقادح هو الأصل مطلقا ، ما اشترط عدمه في الصحيح .

ويلتحق بذلك الحكم للإسناد بالضعف ; إذ قد يضعف لسوء حفظ وانقطاع ونحوهما ، وللمتن طريق آخر صحيح أو حسن ، كما سيأتي أول التنبيهات التالية للمقلوب ، ولكن المحدث المعتمد لو لم يفحص عن انتفاء المتابعات والشواهد ، ما أطلق .

ثم إنه مع ما تقرر قد يدعي أرجحية ما نص فيه على المتن ; لما علم من الفرق بين ما الدلالة عليه بالعبارة والنص على ما هو بالظهور واللزوم .

ومما يشهد لعدم التلازم ما رواه النسائي من حديث أبي بكر بن خلاد عن [ ص: 121 ] محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه : تسحروا ; فإن في السحور بركة ، وقال : هذا حديث منكر ، وإسناده حسن ، وأحسب الغلط من محمد بن فضيل ، وكذا أورد الحاكم في مستدركه غير حديث يحكم على إسناده بالصحة ، وعلى المتن بالوهاء ; لعلته أو شذوذه ، إلى غيرهما من المتقدمين ، وكذا من المتأخرين ، كالمزي ; حيث تكرر منه الحكم بصلاحية الإسناد ونكارة المتن .

وروى الترمذي في فضائل القرآن حديثا من طريق خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن حصين مرفوعا : من قرأ القرآن ، فليسأل الله به ، وقال بعده : هذا حديث حسن ، ليس إسناده بذاك ، ونحوه ما أخرجه ابن عبد البر في كتاب العلم له ، من حديث معاذ بن جبل رفعه : تعلموا العلم ، فإن تعلمه لله خشية . . . " ، الحديث بطوله ، وقال عقبه : هو حديث حسن جدا ، ولكن ليس إسناده بقوي .

التالي السابق


الخدمات العلمية