فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
من لم يرو عنه إلا راو واحد

854 - ومسلم صنف في الوحدان من عنه راو واحد لا ثاني      855 - كعامر بن شهر او كوهب هو
ابن خنبش وعنه الشعبي      856 - وغلط الحاكم حيث زعما
بأن هذا النوع ليس فيهما      857 - ففي الصحيح أخرجا المسيبا
وأخرج الجعفي لابن تغلبا

( من لم يرو عنه ) من الصحابة أو التابعين فمن بعدهم ( إلا راو واحد ) ، ( ومسلم ) صاحب ( الصحيح ) ( صنف في ) المنفردات و ( الوحدان ) من النساء والرجال مما أصل ابن طاهر به عندي ، وعليه خط العلاء مغلطاي ، وقال : إن له عليه زوائد سيفردها ، وهو ( من عنه ) ; أي : الراوي ، انفرد بالرواية ( راو واحد لا ثاني ) له ، وأمثلته إما ( كعامر بن شهر ) الهمداني ، ( او ) بالنقل ( كوهب هو ابن خنبش ) بمعجمة ثم نون ثم موحدة ثم معجمة - وزن جعفر - الطائي ، الذي لكل واحد منهما صحبة وعداده في أهل الكوفة ، ( وعنه ) ; أي : عن كل واحد منهما تفرد بالرواية عامر بن شراحيل ( الشعبي ) بفتح المعجمة ، فيما ذكره مسلم وغيره ، ولأولهما ذكر في السيرة ، فقد ذكر سيف بن عمر التميمي في ( الفتوح ) عن طلحة الأعلم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه أول من اعترض في ناحيته على الأسود العنسي لما ادعى النبوة وكابره : وكان أحد عمال النبي صلى الله عليه وسلم على اليمن ، وأما ثانيهما فتسميته بوهب [ ص: 199 ] هي الأكثر ، ووقع في رواية لابن ماجه تسميته هرما ، وكذا ذكره الحاكم وأبو نعيم في علومهما ، وخطأ ذلك ابن الصلاح تبعا للخطيب ، وكذا نص أبو عيسى الترمذي وغيره على أن ذلك غلط ، وقال الدارقطني : وهم فيه داود بن يزيد الأودي عن الشعبي ، وإنما هو وهب ، كذلك رواه الحفاظ عن الشعبي ، قلت : ممن رواه كذلك بيان وفراس وجابر ، وهو المحفوظ المشهور ، والأولان أوثق من داود ; ولذا قال المزي : من قال : وهب أكثر وأحفظ .

( وغلط الحاكم ) أبو عبد الله صاحب ( المستدرك ) وغيره من غير واحد ( حيث زعما ) في المدخل إلى كتابه ( الإكليل ) ، وتبعه صاحبه في السنن وغيرها ( بأن ) ; أي : أن ( هذا النوع ليس فيهما ) ; أي : ليس في الصحيحين التخريج عن أحد من الصحابة فمن بعدهم ممن لم يرو عنه إلا واحد ، وممن غلطه ابن طاهر والحازمي وابن الجوزي وغيرهم ( ففي الصحيح ) للبخاري ومسلم ( أخرجا المسيبا ) بضم الميم وفتح المهملة ثم تحتانية مفتوحة أو مكسورة ، كما ضبطته في معرفة الصحابة ، صحابي حديث وفاة أبي طالب ; إذ أورداه من جهته ، وهو ابن حزن الصحابي ، أيضا ابن وهب القرشي ، مع أنه لم يرو عنه سوى ابنه سعيد ، وعده مسلم وأبو الفتح الأزدي فيمن لم يرو عنه إلا واحد .

[ ص: 200 ] ( وأخرج الجعفي ) بضم الجيم - كما مضى قريبا - وهو البخاري وحده ( لابن تغلبا ) بفتح المثناة الفوقانية ثم غين معجمة ساكنة بعدها لام مكسورة ، ثم موحدة مفتوحة ، هو عمرو ، صحابي حديث : ( إني لأعطي الرجل ، والذي أدع أحب إلي ) . مع أنه لم يرو عنه سوى الحسن البصري ، فيما قاله مسلم والحاكم وغيرهما ، وكذا لم يذكر البخاري له راويا غيره ، ولكن قد ذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ، ثم ابن عبد البر أن الحكم بن الأعرج روى عنه أيضا ، وحينئذ فليس من أمثلة هذا النوع ، وقد اعتذر المؤلف في اتباعه لمن ذكره بأنه لم يرو روايته عن الحكم في شيء من طرق أحاديث عمرو .

وعلى كل حال فقد أخرج البخاري لمرداس بن مالك الأسلمي الصحابي ، وهو أيضا لم يرو عنه سوى قيس بن أبي حازم ، كما جزم به مسلم والأزدي وجماعة ، ولزاهر بن الأسود الأسلمي الصحابي مع تفرد ابنه مجزأة عنه ، كما قاله مسلم وغيره : ومسلم لطارق الأشجعي الصحابي مع تفرد ابنه أبي مالك سعد عنه ، كما قاله مسلم أيضا في أمثلة من الصحابة فمن بعدهم .

ذكر ابن الصلاح منها ما تعقبه العلاء مغلطاي وغيره في كثير منه ، ونبه عليه المصنف في تقييده ، مع قول [ ص: 201 ] ابن الصلاح : واعلم أنه قد يوجد في بعض من ذكرنا تفرد راو واحد عنه خلاف في تفرده ، بل قال عقب ما نقله عن الحاكم من ذلك : وأخشى أن يكون في تنزيله بعض من ذكره بالمنزلة التي جعله منها ، معتمدا على الحسبان والتوهم ، وقدمت منها في المجهول مما هو في الصحيحين وغيرهما ، ولا انتقاد فيه جملة ، وبينت هناك من كلام الحاكم نفسه ما يقتضي تخصيص مقاله بغير الصحابي ، وأن شيخنا قال : إنه ليس في الكتابين حديث أصل لمن بعدهم من رواية من ليس له إلا راو واحد فقط ، فراجعه فيه إن شاء الله تزول نسبة الحاكم إلى الغلط .

التالي السابق


الخدمات العلمية