فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ ص: 126 ] القسم الثالث : الضعيف .


90 - أما الضعيف فهو ما لم يبلغ مرتبة الحسن وإن بسط بغي      91 - ففاقد شرط قبول قسم
واثنين قسم غيره وضم      92 - سواهما فثالث وهكذا
وعد لشرط غير مبدوء فذا      93 - قسم سواها ثم زد غير الذي
قدمته ثم على ذا فاحتذي      94 - وعده البستي فيما أوعى
لتسعة وأربعين نوعا

.

( أما الضعيف فهو ما لم يبلغ مرتبة الحسن ) ولو بفقد صفة من صفاته ، ولا احتياج لضم الصحيح إليه ; فإنه حيث قصر عن الحسن ، كان عن الصحيح أقصر ، ولو قلنا بتباينهما .

( وإن بسط بغي ) أي : وإن طلب بسط وتركيب لأقسامه ( ففاقد شرط قبول قسم ) أي : شرطا من شروط المقبول الذي هو أعم من الصحيح والحسن ، وهي ستة : اتصال السند ، والعدالة ، والضبط ، ونفي الشذوذ ، ونفي العلة القادحة ، والعاضد عند الاحتياج إليه ، التي بالنظر لانتفائها اجتماعا وانفرادا تتعدد أقسامه ، ففقد الاتصال مثلا قسم تحته ثلاثة : المرسل ، والمنقطع ، والمعضل .

( و ) فاقد ( اثنين ) منها ; وهما الاتصال مع آخر من الخمسة الباقية ( قسم غيره ) أي : غير الأول تحته ثمانية عشر بالنظر إلى الضعيف والمجهول اللذين يشملهما فقد العدالة ; لأنك تضربهما ، والأربعة الباقية في الثلاثة الداخلة تحت فقد الاتصال ، فتبلغ ذلك ، وحينئذ فمجموع القسمين أحد وعشرون قسما .

( وضم سواهما ) أي : وضم واحد غير فقد الاتصال ، والآخر الذي فقد معه من باقيها إليها بحيث يصير المفقود ثلاثة لا غير ( فـ ) ذلك قسم ( ثالث ) تحته ستة وثلاثون ; لأنك تضم إلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع قسمي العدالة ، وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع الضبط ، وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع العاضد - [ ص: 127 ] الشذوذ مرة والعلة أخرى .

وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع قسمي العدالة ، الضبط تارة ، والعاضد أخرى ، وكذا ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع شرطين آخرين ; وهما اجتماع الشذوذ والعلة ، فتلك ثلاثة ، وبها يصير هذا القسم تسعة وثلاثين .

( وهكذا ) فافعل إلى آخر الشروط ; فخذ ما فقد فيه شرط آخر مضموما إلى فقد الشروط الثلاثة المتقدمة ، فهو قسم آخر تحته اثنا عشر ; لأنك تضم إلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع قسمي العدالة ، وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع الضبط ، وإلى ما فقد فيه الاتصال بأقسامه مع العاضد - الشذوذ والعلة معا .

ثم ارتق إلى ما فقد فيه خمسة أو ستة ، منها فقد الاتصال بحسب الإمكان ، من غير أن تجمع أقسام الاتصال أو اثنين منها .

وكذا قسمي العدالة بأن تجعل مثلا المرسل مع المنقطع أو مع المعضل ، أو الضعيف مع المجهول في قسم واحد ( و ) بعد الانتهاء من هذا الشرط وهو الاتصال ( عد ) أي : ارجع ( لشرط غير مبدوء ) به أولا ; وهو العدالة مثلا ( فذا قسم سواها ) أي : الأقسام الماضية تحته اثنان .

( ثم زد ) مع كل من هذين ( غير الذي قدمته ) وتحته ثمانية ; لأنك تضم ما فقد فيه الضبط أو العاضد أو فيه شذوذ أو علة لكل منهما ( ثم على ذا ) الحذو ( فاحتذي ) بمهملة ثم مثناة مفتوحة بعدها معجمة ، أي : اقتد أنت .

والمعنى أنك تكمل هذا العمل الثاني الذي بدأته بفقد الشرط المثنى به ، كما كملت الأول ; بأن تضم إلى فقد العدالة بقسميها ، والآخر الذي فقد معه من باقيها ثالثا ، إلى أن ينتهي العمل ، ثم عد فابدأ بما فقد فيه شرط غير الأولين اللذين بدأت بكل منهما في عمليك ، وهو الضبط ، ثم ضمه إلى واحد من الثلاثة الباقية ، ثم إلى اثنين ، وهكذا فافعل في فقد العاضد ، ثم عد فخذ الشاذ منفردا ، ثم مضموما مع المعلل ، ثم عد فخذ المعلل منفردا .

وإلى هنا انتهى العمل ، وهو مع كونه بحسب الفرض لا الواقع ليس بآخره ، بل [ ص: 128 ] لو نظرنا إلى أن فقد الاتصال يشمل أيضا المعلق والمنقطع الخفي كالتدليس ، وفقد العدالة يشمل الضعيف بكذب راويه أو تهمته بذلك أو فسقه أو بدعته أو جهالة عينه أو جهالة حاله ، وفقد الضبط يشمل كثرة الغلط والغفلة والوهم وسوء الحفظ والاختلاط والمخالفة - لزادت الأقسام كثيرا ، كما أشار إليه ابن الصلاح بقوله : وما كان من الصفات له شروط ، فاعمل في شروطه نحو ذلك ، فيتضاعف بذلك الأقسام .

ولكن قد صرح غير واحد - منهم شيخنا - بأن ذلك مع كثرة التعب فيه قليل الفائدة ، ولا يقال : إن فائدته كون ما كثر فقد شروط القبول فيه أضعف ; لأنه ليس على إطلاقه ، فقد يكون الفاقد للصدق وحده أضعف من فاقد جميع ما عداه مما ذكر ; لأن فقد العدالة غير منحصر في الكذب .

وقول ابن الصلاح : " ثم ما عدم فيه جميع صفات القبول هو القسم الأرذل " - قد لا يعارضه ، كما أنه لا يقال : فائدته تخصيص كل قسم منها بلقب ; إذ لم يلقب منها إلا المرسل ، والمنقطع ، والمعضل ، والمعلل ، والشاذ ، وكذا لقب مما لم يذكر في الأقسام المقطوع ، والمدرج ، والمقلوب ، والمضطرب ، والموضوع ، والمطروح ، والمنكر ، وهو بمعنى الشاذ ، كما سيأتي بيانها .

وحينئذ فالاشتغال بغيره من مهمات الفن الذي لا يتسع العمر الطويل لاستقصائه - آكد ، وقد خاض غير واحد ممن لم يعلم هذا الشأن في ذلك ، فتعبوا وأتعبوا .

ولو قيل لأطولهم وأعرضهم : أوجدنا مثالا لما لم يلقب منها بلقب خاص لبقي متحيرا ، ووراء هذا كله أن في بعض الأقسام نزاعا ، وذلك أن اجتماع الشذوذ مع [ ص: 129 ] الضعيف أو المجهول - كما قاله الشارح - غير ممكن على الصحيح ; لأن الشذوذ تفرد الثقة عند الجمهور ، وجوزه شيخنا بأن يكون في السند ثقة خولف وضعيف .

قال : وفائدة ذلك قوة الضعف ; لكثرة الأسباب ، لكن قد يقال : إنه إذا كان في السند ضعيف ، يحال ما في الخبر من تغيير عليه ، نعم إن عرف من خارج أن المخالفة من الثقة ، [ أو كان الضعيف بعد الراوي الذي شذ جاء ما قاله شيخنا ] .

وبالجملة فلما كان التقسيم المطلوب صعب المرام في بادئ الرأي ، لخصه شيخنا بقوله : فقد الأوصاف راجع إلى ما في راويه طعن ، أو في سنده سقط ، فالسقط إما أن يكون في أوله ، أو في آخره ، أو في أثنائه .

ويدخل تحت ذلك المرسل والمعلق والمدلس والمنقطع والمعضل ، وكل واحد من هذه ، إذا انضم إليه وصف من أوصاف الطعن ، وهي تكذيب الراوي ، أو تهمته بذلك ، أو فحش غلطه ، أو مخالفته ، أو بدعته ، أو جهالة عينه ، أو جهالة حاله - فباعتبار ذلك يخرج منه أقسام كثيرة ، مع الاحتراز من التداخل المفضي إلى التكرار ، فإذا فقد ثلاثة أوصاف من مجموع ما ذكر ، حصلت منه أقسام أخرى ، مع الاحتراز مما ذكر ، ثم إذا فقد أربعة أوصاف فكذلك ، ثم كذلك إلى آخره .

فكل ما عدمت فيه صفة واحدة - يعني غير الكذب - يكون أخف مما عدمت فيه صفتان ، إن لم تكن تلك الصفة - يعني المضعفة - قد جبرتها صفة مقوية ، يعني كما قال ابن الصلاح : " من غير أن يخلفها جابر على حسب ما تقرر في الحسن " .

وهكذا إلى أن ينتهي الحديث إلى درجة الموضوع المختلق ; بأن ينعدم فيه شروط القبول ، [ ص: 130 ] ويوجد فيه ما يشترط انعدامه من جميع أسباب الطعن والسقط .

قال : لكن قال شيخنا - يعني الشارح - : إنه لا يلزم من ذلك ثبوت الحكم بالوضع ، وهو متجه ، لكن مدار الحكم في الأنواع على غلبة الظن ، وهي موجودة هنا . انتهى .

ولا مزيد عليه في الحسن ، وبهذا الاعتبار تزيد أقسامه جملة ( وعده ) أي : قسم الضعيف أبو حاتم بن حبان ( البستي ) الماضي في الصحيح ، الزائد على الصحيحين ( فيما أوعى ) أي : حفظ وجمع ، كما نقله ابن الصلاح عنه ، لكن غير معين لتصنيف الواقع فيه .

وزعم الزركشي أن ذلك في أول كتابه في الضعفاء ، وليس كذلك ، فالذي فيه إنما هو تقسيم الأسباب الموجبة لتضعيف الرواة ، لا تقسيم الحديث الضعيف ، وهو التباس بعيد ، خصوصا وعدة ما ذكره عشرون قسما ( لتسعة ) بتقديم المثناة ( وأربعين نوعا ) خمسين قسما إلا واحدا ، كما هو عبارة ابن الصلاح ، ولكن الأولى أخصر ، مع موافقتها لاصطلاح الحساب في تقديم العطف على الاستثناء .

والثانية أسلم من عروض التصحيف ، ومن دخول اللام ; لكون " عده " متعديا مع نطق القرآن بهما في قوله : تسع وتسعون نعجة [ ص : 23 ] ، و ألف سنة إلا خمسين عاما [ العنكبوت : 14 ] .

على أنه كان يمكن الناظم - كما قال شيخنا - أن يقول : " مستوعبا خمسين إلا نوعا " ، وللخوف من التصحيف أيضا ثبت الجمع بينهما في الصحيحين : إن لله [ ص: 131 ] تسعة وتسعين اسما ، مائة إلا واحدا ، إذا علم هذا ، فسيأتي قبيل " من تقبل روايته ومن ترد " مسائل تدخل في هذا القسم لا بأس باستحضارها .

[ تتمة ] : أفرد ابن الجوزي عن هذا نوعا آخر سماه المضعف ، وهو الذي لم يجتمع على ضعفه بل فيه إما في المتن أو في السند تضعيف لبعض أهل الحديث ، وتقوية لآخرين ، وهو أعلى مرتبة من الضعيف المجمع عليه . انتهى .

ومحل هذا إذا كان التضعيف هو الراجح ، أو لم يترجح شيء ، وإلا فيوجد في كتب ملتزمي الصحة حتى البخاري ، مما يكون من هذا القبيل أشياء .

التالي السابق


الخدمات العلمية