فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ الفرع الخامس ] ( وإن يقل ) واحد من الألفاظ المتقدمة في الفرع قبله من راو ( عن تابع ) من التابعين ، وهو الفرع الخامس ، وقدم على ما بعده ; لاشتراكه مع الذي قبله في أكثر صيغه ، وتوالى كلام ابن الصلاح ( فمرسل ) مرفوع بلا خلاف ، ولذا قال ابن القيم : جزما .

( قلت ) : و ( من السنة ) كذا ( عنه ) أي : عن التابعي ; كقول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة التابعي : السنة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى ، حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات ( نقلوا تصحيح وقفه ) على الصحابي من الوجهين اللذين حكاهما النووي في شروحه لمسلم ، والمهذب ، والوسيط لأصحاب الشافعي ، أهو موقوف متصل أو مرفوع مرسل ؟ وهو ممن صحح أيضا أولهما .

وحينئذ فيفرق بينها وبين ما قبلها من صيغ هذا الفرع ; حيث اختلف الحكم فيهما بأن " يرفع الحديث " تصريح بالرفع ، وقريب منه ما ذكر معها بخلاف " من السنة " ، فيطرقها احتمال إرادة سنة الخلفاء الراشدين .

فكثيرا ما يعبرون بها فيما يضاف إليهم ، وقد يريدون سنة البلد ، وهذا الاحتمال وإن قيل به في الصحابي فهو في التابعي أقوى ; ولذلك اختلف الحكم في الموضعين ، كما افترق فيما تقرر من التابعي نفسه .

نعم ألحق الشافعي رحمه الله بالصحابة سعيد بن المسيب في " من السنة " ، فروى في الأم عن سفيان ، عن أبي الزناد قال : سئل سعيد بن المسيب عن [ ص: 160 ] الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته ، قال : يفرق بينهما . قال أبو الزناد : فقلت : سنة ؟ فقال سعيد : سنة ، قال الشافعي : والذي يشبه قول سعيد : سنة ، أن يكون أراد سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وكذا قال ابن المديني : إذا قال سعيد : " مضت السنة " ، فحسبك به . وحينئذ فهو مستثنى من التابعين كالمرسل ، على ما سيأتي .

أما إذا جاء عن التابعي : " كنا نفعل " ، فليس بمرفوع قطعا ولا بموقوف إن لم يضفه لزمن الصحابة ، بل مقطوع ، فإن أضافه احتمل الوقف ; لأن الظاهر اطلاعهم على ذلك ، وتقريرهم له ، ويحتمل عدمه ; لأن تقرير الصحابي لا ينسب إليه ، بخلاف تقريره - صلى الله عليه وسلم - .

( وذو احتمال ) للإرسال والوقف ( نحو أمرنا ) بالبناء للمفعول ، بكذا ، إذا أتى ( منه ) أي : من التابعي ( للغزالي ) في المستصفى ; فإنه قال : إذا قال التابعي : " أمرنا بكذا " يحتمل أنه يريد أمر الشارع ، أو أمر كل الأمة ، فيكون حجة ، أو بعض الصحابة فلا ، ومن ذلك ينشأ احتمالا الرفع والوقف .

ولكن قوله : " فيكون حجة " كأنه يريد في الجملة ، إن شمل الأول فإنه مرسل ، ثم إنه لم يصرح بترجيح واحد منهما ، نعم يؤخذ من كلامه ترجيح إرادة الرفع أو الإجماع ; وذلك أنه قال بعد قوله : " فلا " لكن لا يليق بالعالم أن يطلق ذلك ، إلا وهو يريد من تجب طاعته .

وجزم أبو نصر بن الصباغ في " العدة " في أصول الفقه بأنه مرسل ، وحكى في سعيد بن المسيب هل يكون ما يأتي به من ذلك حجة وجهين .

وأما إذا قال التابعي : " كانوا يفعلون كذا " فلا يدل - كما قال النووي في شرح مسلم تبعا للغزالي - على فعل جميع الأمة ، بل على البعض ، فلا حجة فيه إلا أن يصرح [ ص: 161 ] بنقله عن أهل الإجماع ، فيكون نقلا للإجماع ، وفي ثبوته بخبر الواحد خلاف ، والذي قاله أكثر الناس واختاره الغزالي أنه لا يثبت .

وذهبت طائفة - وهو اختيار الرازي - إلى ثبوته ، وبه جزم الماوردي ، وقال : وليس آكد من سنن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهي تثبت به ، قال : وسواء كان من أهل الاجتهاد أم لا ، أما إذا قال : لا أعرف بينهم فيه خلافا ، فإن كان من أهل الاجتهاد فاختلف أصحابنا ; فأثبت الإجماع به قوم ، ونفاه آخرون ، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد ، ولا ممن أحاط علما بالإجماع والاختلاف - لم يثبت الإجماع بقوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية