فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ مرسل الصحابي ] ( أما ) الخبر ( الذي أرسله الصحابي ) الصغير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; كابن عباس ، وابن الزبير ، ونحوهما ممن لم يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا اليسير ، وكذا الصحابي الكبير فيما ثبت عنه أنه لم يسمعه إلا بواسطة .

( فحكمه الوصل ) المقتضي للاحتجاج به ; لأن غالب رواية الصغار منهم عن الصحابة ، وروايتهم عن غيرهم - كما قال النووي في شرح المهذب - زيادة ، فإذا رووها بينوها ، وحيث أطلقوا ، فالظاهر أنهم عنوا الصحابة . انتهى .

ولا شك أنهم عدول لا يقدح فيهم الجهالة بأعيانهم ، وأيضا فما يرويه عن التابعين ، غالبه بل عامته إنما هو من الإسرائيليات ، وما أشبهها من الحكايات ، وكذا الموقوفات ، والحكم المذكور ( على الصواب ) المشهور ، بل أهل الحديث وإن سموه مرسلا ، لا خلاف بينهم في الاحتجاج به ، وإن نقل ابن كثير عن ابن الأثير وغيره فيه خلافا .

وقول الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني وغيره من أئمة [ ص: 193 ] الأصول : أنه لا يحتج به - ضعيف ، وإن قال ابن برهان في الأوسط : إنه الصحيح ; أي لا فرق بين مراسيل الصحابة ومراسيل غيرهم .

وقال القاضي عبد الجبار : إن مذهب الشافعي ، أن الصحابي إذا قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ، قبل إلا إن علم أنه أرسله ، وكذا نقله ابن بطال في أوائل شرحه للبخاري عن الشافعي ; فالنقل بذلك عن الشافعي خلاف المشهور من مذهبه .

وقد صرح ابن برهان في الوجيز أن مذهبه أن المراسيل لا يجوز الاحتجاج بها ، إلا مراسيل الصحابة ، ومراسيل سعيد ، وما انعقد الإجماع على العمل به .

أما من أحضر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - غير مميز ; كعبيد الله بن عدي بن الخيار ، [ فإنه ليس له سوى رؤية ، كما قاله ابن حبان ، ونحوه قول البغوي : بلغني أنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

ولذا حمل شيخنا ما في البخاري من أن عثمان - رضي الله عنه - قال له : يابن أخي ، أدركت النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : لا ، على أن مراده أنه لم يدرك السماع منه ] .

وكمحمد بن أبي بكر - رضي الله عنهما - ; فإنه ولد عام حجة الوداع ، فهذا مرسل ، [ ص: 194 ] لكن لا يقال : إنه مقبول ; كمراسيل الصحابة ; لأن رواية الصحابة إما أن تكون عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن صحابي آخر ، والكل مقبول .

واحتمال كون الصحابي الذي أدرك وسمع يروي عن التابعين - بعيد جدا ، بخلاف مراسيل هؤلاء ; فإنها عن التابعين بكثرة ، فقوي احتمال أن يكون الساقط غير الصحابي ، وجاء احتمال كونه غير ثقة .

واعلم أنه قد تكلم العلماء في عدة الأحاديث التي صرح ابن عباس بسماعها من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكان من الغريب قول الغزالي في المستصفى وقلده جماعة : إنها أربعة ليس إلا .

وعن يحيى القطان ، وابن معين ، وأبي داود صاحب السنن : تسعة ، وعن غندر : عشرة ، وعن بعض المتأخرين : أنها دون العشرين من وجوه صحاح .

وقد اعتنى شيخنا بجمع الصحيح والحسن فقط من ذلك ، فزاد على الأربعين ، سوى ما هو في حكم السماع ; كحكاية حضور شيء فعل بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأشار شيخنا لذلك ، عقب قول البخاري في الحديث الثالث من باب الحشر من الرقائق : هذا مما يعد أن ابن عباس سمعه .

خاتمة : المرسل مراتب : أعلاها : ما أرسله صحابي ثبت سماعه ، ثم صحابي له رؤية فقط ، ولم يثبت سماعه ، ثم المخضرم ، ثم المتقن ; كسعيد بن المسيب ، ويليها من كان يتحرى في شيوخه ; كالشعبي ومجاهد ، ودونها مراسيل من كان يأخذ عن كل أحد كالحسن .

[ ص: 195 ] وأما مراسيل صغار التابعين ; كقتادة والزهري وحميد الطويل - فإن غالب رواية هؤلاء عن التابعين .

وهل يجوز تعمده ؟ قال شيخنا : إن كان شيخه الذي حدثه به عدلا عنده وعند غيره فهو جائز بلا خلاف ، أو لا فممنوع بلا خلاف ، أو عدلا عنده فقط أو عند غيره فقط ، فالجواز فيهما محتمل ، بحسب الأسباب الحاملة عليه ، الآتي في التدليس الإشارة لشيء منها .

وقد بسطنا الكلام في هذا النوع بالنسبة لما قبله ; لكونه - كما قال النووي في الإرشاد - من أجل الأبواب ، فإنه أحكام محضة ، ويكثر استعماله بخلاف غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية