فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ تعريف المعضل وأقسامه ] : ( والمعضل ) وهو بفتح المعجمة من الرباعي المتعدي ، يقال : أعضله فهو معضل وعضيل ، كما سمع في " أعقدت العسل " ، فهو عقيد بمعنى معقد ، وأعله المرض فهو عليل بمعنى معل ، وفعيل بمعنى مفعل إنما يستعمل في المتعدي ، والعضيل : المستغلق الشديد .

ففي حديث : إن عبدا قال : يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم شأنك ، فأعضلت بالملكين ، فلم يدريا كيف يكتبان . . . الحديث " قال أبو عبيد : هو من العضال ، الأمر [ ص: 199 ] الشديد الذي لا يقوم له صاحبه ) . انتهى .

فكأن المحدث الذي حدث به أعضله ; حيث ضيق المجال على من يؤديه إليه ، وحال بينه وبين معرفة رواته بالتعديل أو الجرح ، وشدد عليه الحال ، ويكون ذاك الحديث معضلا له لإعضال الراوي له . هذا تحقيقه لغة ، وبيان استعارته .

وهو في الاصطلاح : ( الساقط منه ) أي : من إسناده ( اثنان فصاعدا ) أي : مع التوالي ، حتى لو سقط كل واحد من موضع كان منقطعا ، كما سلف لا معضلا .

ولعدم التقيد باثنين ، قال ابن الصلاح : إن قول المصنفين : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، من قبيل المعضل معنى ، كما قيل بمثله في المرسل والمنقطع ، وسواء في سقوط اثنين هنا الصحابي والتابعي ، أو اثنان بعدهما من أي موضع كان ، كل ذلك مع التقييد بالرفع الذي استغنى عن التصريح به بما يفهم من القسم الثاني .

وعلم بهذا التعريف أنه أعم من المعلق من وجه ، ومبائن للمقطوع والموقوف ، وكذا للمرسل والمنقطع بالنظر لكثرة استعمالهم فيهما .

ولا يأتي قول ابن الصلاح : إنه لقب لنوع خاص من المنقطع ، فكل معضل منقطع ولا عكس ، إلا بالنظر للقول الآخر في المنقطع الذي لا يحصره في سقط راو واحد ، ولا يخصه بالمرفوع .

وقول الحاكم نقلا عن علي بن المديني وغيره من أئمتنا : " المعضل هو أن يكون بين المرسل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من رجلين " - شامل أيضا لأكثر من اثنين ، [ ص: 200 ] لا سيما وقد صرح بعد بقوله : فربما أعضل أتباع التابعين وأتباعهم . . . الحديث - إلى آخر كلامه الذي أرشد فيه لما تقدم مثله في أواخر المرسل ، مع كونه لم ينفرد به ، بل وافقه عليه أبو نصر السجزي ، وعزاه لأصحاب الحديث .

وهو عدم المبادرة إلى الحكم قبل الفحص ، وإلا فقد يكون الحديث عن الراوي من وجه معضلا ، ومن آخر متصلا ، كحديث مالك الذي في الموطأ أنه بلغه أن أبا هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : للمملوك طعامه وكسوته ، فهذا معضل عن مالك ; لكونه قد روي عنه لكن خارج ( الموطأ ) ، عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة به .

ونحوه قول ابن الصلاح : وكذلك ما يرويه من دون تابع التابعي ، عن أبي بكر وعمر وغيرهما ; يعني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم إن هذا الحديث بخصوصه لو لم نعلم كون الساقط منه اثنين لم يسغ التمثيل به ، وإنما هو منقطع على رأي الحاكم وغيره ممن يسمي المبهم منقطعا ، أو متصل في إسناده مجهول ; لأن قول مالك : ( بلغني ) يقتضي ثبوت مبلغ ، ولا يمتنع أن يكون واحدا .

( ومنه ) أي : ومن المعضل ، ( قسم ثان ) : وهو ( حذف النبي ) - صلى الله عليه وسلم - ( والصحابي ) - رضي الله عنه - ( معا ، ووقف متنه على من تبعا ) أي : على التابعي ; كقول الأعمش عن الشعبي : " يقال للرجل يوم القيامة : عملت كذا وكذا ، فيقول : ما عملته ، فيختم على فيه ، فتنطق جوارحه أو لسانه ; فيقول لجوارحه : أبعدكن الله ما خاصمت إلا فيكن " . أخرجه الحاكم .

وقال عقبه : أعضله الأعمش ، وهو عند الشعبي متصل مسند ، أخرجه مسلم [ ص: 201 ] في صحيحه ، وساقه من حديث فضيل بن عمرو ، عن الشعبي عن أنس قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك ، فقال : " هل تدرون مما ضحكت ؟ " قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : " من مخاطبة العبد ربه عز وجل يوم القيامة ، يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى ، قال : فإني لا أجيز اليوم على نفسي شاهدا إلا مني ، فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا ، [ وبالكرام الكاتبين عليك شهودا ] ، فيختم على فيه ، ثم يقال لأركانه : انطقي . . . " الحديث نحوه .

وقال ابن الصلاح : إنه حسن ; فالانقطاع بواحد مع الوقف صدق عليه الانقطاع باثنين : الصحابي والرسول ، وهو باستحقاق اسم الإعضال أولى . . . انتهى .

ولا يتهيأ الحكم لكل ما أضيف إلى التابعي بذلك ، إلا بعد تبينه بجهة أخرى ، فقد يكون مقطوعا ، ثم إنه قد يكون الحديث معضلا ، ويجيء من غير طريق من أعضله متصلا ; كحديث خليد بن دعلج عن الحسن : " أخذ المؤمن عن الله أدبا حسنا ، إذا وسع عليه وسع ، وإذا قتر عليه قتر " فهو مروي من حديث معاوية بن عبد الكريم الضال ، عن أبي حمزة ، عن ابن عمر رفعه به . ذكره الحاكم .

واعلم أنه قد وقع - كما أفاده شيخنا - التعبير بالمعضل في كلام جماعة من أئمة الحديث فيما لم يسقط منه شيء ألبتة ، بل لإشكال في معناه ، وذكر لذلك أمثلة ، ولم يذكر منها ما رواه الدولابي في الكنى من طريق خليد بن دعلج ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه رضي الله عنه رفعه : من كانت وصيته على كتاب الله ، كانت [ ص: 202 ] كفارة لما ترك من زكاته ، وقال : هذا معضل ، يكاد يكون باطلا .

قال شيخنا : فإما أن يكون يطلق على كل من المعنيين ، أو يكون المعرف به - وهو المتعلق بالإسناد - بفتح الضاد ، والواقع في كلام من أشير إليه بكسرها ، ويعنون به المستغلق الشديد ، قال : وبالجملة فالتنبيه عليه كان متعينا .

تتمة : قد يؤخذ من ترتيب الناظم تبعا لأصله هذه الأنواع الثلاثة أنها في الرتبة كذلك ، ويتأيد بقول الجوزجاني : المعضل أسوأ حالا من المنقطع ، وهو أسوأ حالا من المرسل ، وهو لا تقوم به حجة . انتهى .

ومحل الأول في المنقطع من موضع واحد ، أما إن كان من موضعين أو أكثر فقد يكونان سواء .

التالي السابق


الخدمات العلمية