فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
الأفراد


186 - الفرد قسمان ففرد مطلقا وحكمه عند الشذوذ سبقا      187 - والفرد بالنسبة ما قيدته
بثقة أو بلد ذكرته      188 - أو عن فلان نحو قول القائل
لم يروه عن بكر الا وائل      189 - لم يروه ثقة إلا ضمره
لم يرو هذا غير أهل البصره      190 - فإن يريدوا واحدا من أهلها
تجوزا فاجعله من أولها      191 - وليس في أفراده النسبيه
ضعف لها من هذه الحيثيه      192 - لكن إذا قيد ذاك بالثقه
فحكمه يقرب مما أطلقه



[ تقسيم الأفراد إلى فرد مطلق وفرد نسبي ] : ومناسبته لما قبله واضحة ، ولكن لو ضم إلى المنكر والشاذ - كما قدمنا - كان أنسب .

( الفرد قسمان : ففرد ) يقع ( مطلقا ) وهو أولهما بأن ينفرد به الراوي الواحد عن كل أحد من الثقات وغيرهم .

( وحكمه ) مع مثاله ( عند ) نوع ( الشذوذ سبقا ، والفرد بالنسبة ) إلى جهة خاصة وهو ثانيهما وهو أنواع ( ما قيدته بثقة أو بلد ) معين ; كمكة والبصرة والكوفة ( ذكرته ) صريحا كما سيأتي التمثيل لهما ( أو ) براو مخصوص ; حيث لم يروه ( عن فلان ) إلا فلان .

[ أمثلة أنواع الفرد النسبي ] ( نحو قول القائل ) أبي الفضل بن طاهر في أطراف الغرائب له عقب الحديث المروي في السنن الأربعة من طريق سفيان [ ص: 269 ] بن عيينة عن وائل بن داود ، عن ولده بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أولم على صفية بسويق وتمر ( لم يروه عن بكر الا وائل ) بنقل الهمزة يعني أباه ، ولم يروه عن وائل غير ابن عيينة فهو غريب ، وكذا قال الترمذي : إنه حسن غريب .

قال : وقد رواه غير واحد عن ابن عيينة ، عن الزهري - يعني بدون وائل وولده - قال : وكان ابن عيينة ربما دلسهما .

قلت : ممن رواه عنه كذلك إبراهيم بن المنذر وأبو الخطاب زياد بن يحيى ، وعبد الله بن محمد الزهري ، وعلي بن عمرو الأنصاري ، وابن المقرئ ، وصرح عبد الله من بينهم بأن ابن عيينة قال : سمعته من الزهري ولم أحفظه ، فسمعته من آخر ، ورواه سهل بن صقير عن ابن عيينة بدون بكر وحده .

ورواه أبو يعلى محمد بن الصلت التوزي عن ابن عيينة ، فجعل الواسطة بدلهما زياد بن سعد ، قال الدارقطني : ولم يتابع عليه ، والمحفوظ عن ابن عيينة الأول .

قلت : وممن رواه عنه كذلك إبراهيم بن بشار ، وحامد بن يحيى البلخي ، والحميدي ، وغياث بن جعفر الرحبي ، وابن أبي عمر العدني ، وهو المعتمد ، وإنما لم يكن من القسم الأول لرواية النسائي له من حديث سليمان بن بلال ، والبخاري بنحوه من حديث إسماعيل بن جعفر كلاهما عن حميد عن أنس ، [ ص: 270 ] ونحوه عند النسائي أيضا من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس .

ونحوه حديث عبد الواحد بن أيمن ، عن أبيه ، عن جابر في قصة الكدية التي عرضت لهم يوم الخندق ، أخرجه البخاري ، فإنه تفرد به عبد الواحد عن أبيه ، وقد روي من غير حديث جابر .

ومن أمثلة النوع الأول قول القائل في حديث قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر بـ ( ( ق ) ) و ( ( اقتربت ) ) ( لم يروه ) أي الحديث ( ثقة الا ضمره ) بنقل الهمزة أي : ابن سعيد ، فقد انفرد به عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد الليثي صحابيه ، وإنما قيد بالثقة لرواية الدارقطني له من جهة ابن لهيعة ، وهو ممن ضعفه الجمهور لاحتراق كتبه ، عن خالد بن يزيد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .

ومن أمثلة النوع الثاني : قول القائل في حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه أبو داود في كتابيه ( السنن ) و ( التفرد ) عن أبي الوليد الطيالسي عن همام عن قتادة عن أبي نضرة عنه ، قال : أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر - : ( لم يرو هذا ) الحديث ( غير أهل البصره ) ; فقد قال الحاكم : إنهم تفردوا بذكر الأمر فيه من أول الإسناد إلى آخره ، ولم يشركهم في لفظه سواهم .

وكذا قال في حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن قوله : ومسح رأسه بماء غير فضل يده سنة غريبة تفرد بها أهل مصر ، ولم [ ص: 271 ] يشركهم فيها أحد .

وحديث : " القضاة ثلاثة " ، تفرد به أهل مرو عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، وحديث يزيد مولى المنبعث ، عن زيد بن خالد الجهني في اللقطة تفرد به أهل المدينة عنه .

( فإن يريدوا ) أي : القائلون بقولهم هذا وما أشبهه ( واحدا من أهلها ) بأن يكون المتفرد به من أهل تلك البلد واحدا فقط وهو أكثر صنيعهم ، وأطلقوا البلد ( تجوزا ) كما يضاف فعل واحد من قبيلة إليها مجازا ( فاجعله من أولها ) أي : الصور المذكورة في الباب ، وهو الفرد المطلق .

ومنه حديث عبد الله بن زيد المذكور ، فإنه لم يروه من أهل مصر إلا عمرو بن الحارث عن حبان بن واسع الأنصاري ، عن أبيه عنه ، فأطلق الحاكم أهل البلد وأراد واحدا منهم .

( وليس في أفراده ) أي : هذا الباب ( النسبيه ) وهي أنواع القسم الثاني ( ضعف لها من هذه الحيثيه ) أي : جهة الفردية ، إلا إن انضم إليها ما يقتضيه ( لكن إذا قيد ) القائل من الأئمة والحفاظ ( ذاك ) أي التفرد ( بالثقة ) كقولهم : لم يروه ثقة إلا فلان - .

( فحكمه ) إن كان راويه الذي ليس بثقة ممن بلغ رتبة من يعتبر حديثه ( يقرب مما أطلقه ) أي : من القسم الأول ، وإن كان ممن لا يعتبر به فكالمطلق ; لأن روايته كلا رواية .

والحاصل أن القسم الثاني أنواع ، منها ما يشترك الأول معه فيه ; كإطلاق تفرد أهل بلد بما يكون راويه منها واحدا فقط .

وتفرد الثقة بما يشترك معه في روايته ضعيف ، ومنها ما هو مختص به ، وهي تفرد شخص عن شخص أو عن أهل بلد ، أو أهل بلد عن شخص أو عن بلد [ ص: 272 ] أخرى .

[ مظان الأفراد ] وصنف في الأفراد الدارقطني وابن شاهين وغيرهما ، وكتاب الدراقطني حافل في مائة جزء حديثية ، سمعت منه عدة أجزاء .

وعمل أبو الفضل بن طاهر ( أطرافه ) ، ومن مظانها ( الجامع ) للترمذي ، وزعم بعض المتأخرين أن جميع ما فيه من القسم الثاني .

ورده شيخنا بتصريحه في كثير منه بالتفرد المطلق ، وكذا من مظانها ( مسند البزار ) والمعجمان ( الأوسط ) و ( الصغير ) للطبراني .

وصنف أبو داود ( السنن ) التي تفرد لكل سنة منها أهل بلد ; كحديث طلق في مس الذكر ، قال : إنه تفرد به أهل اليمامة ، وحديث عائشة في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء ، قال الحاكم : تفرد أهل المدينة بهذه السنة .

وكل ذلك لا ينهض به إلا متسع الباع في الرواية والحفظ ، وكثيرا ما يقع التعقب في دعوى الفردية ، حتى إنه يوجد عند نفس مدعيها المتابع ، ولكن إنما يحسن الجزم بالتعقب حيث لم يختلف السياق ، أو يكون المتابع ممن يعتبر به ; لاحتمال إرادة شيء من ذلك بالإطلاق .

وقد قال ابن دقيق العيد : ( إنه إذا قيل في حديث : تفرد به فلان عن فلان ، احتمل أن يكون تفردا مطلقا ، واحتمل أن يكون تفرد به عن هذا المعين خاصة ، ويكون مرويا عن غير ذلك المعين ، فليتنبه لذلك ، فإنه قد يقع فيه المؤاخذة على قوم من المتكلمين على الأحاديث ، ويكون له وجه كما ذكرناه الآن ) . انتهى .

[ ص: 273 ] تتمة : قولهم : لا نعلم أحدا روى هذا الحديث غير فلان ، جوز ابن الحاجب في " غير " الرفع والنصب ، وأطال في تقريره .

التالي السابق


الخدمات العلمية