فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ طريق معرفة الإدراج ] واعلم أن الطريق لمعرفة الإدراج إما باستحالة إضافته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كقول أبي هريرة في حديث : للعبد المملوك أجران - ما نصه : والذي نفسي بيده ، لولا الجهاد في سبيل الله وبر أمي ، لأحببت أن أموت وأنا مملوك .

[ ص: 302 ] وقول ابن مسعود كما جزم به سليمان بن حرب في حديث : الطيرة شرك - ما نصه : " وما منا إلا " ، أو بتصريح صحابيه بأنه لم يسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - ; كحديث ابن مسعود : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من جعل لله ندا ، دخل النار قال : وأخرى أقولها ولم أسمعها منه : ( من مات لا يجعل لله ندا ، أدخله الجنة ) ، أو بتصريح بعض الرواة بالفصل بإضافته لقائله ، ويتقوى الفصل باقتصار بعض الرواة على الأصل ; كحديث التشهد ، وثالثها أكثرها .

وما أحسن صنيع مسلم ; حيث أخرج حديث عبد الأعلى عن داود عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود في مجيء داعي الجن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذهابه معهم ، وقراءته عليهم القرآن .

قال ابن مسعود : فانطلق بنا ، فأرانا آثارهم ، وآثار نيرانهم ، وسألوه الزاد ، فقال : " لكم كل عظم . . . إلى آخره .

ثم رواه من جهة إسماعيل بن إبراهيم عن داود ، وقال بسنده إلى قوله : ( وآثار نيرانهم ) - : قال الشعبي : ( وسألوه الزاد . . . . ) إلى آخره ، فبين أنه من قول الشعبي منفصلا من حديث عبد الله .

ثم رواه من حديث عبد الله بن إدريس عن داود به بدون ذكر " وسألوه . . . . " إلى آخره ، لا متصلا ولا منفصلا .

[ ص: 303 ] ولكن الحكم للإدراج بها مختلف ، فبالأول قطعا ، وبباقيها بحسب غلبة الظن للناقد ، بل أشار ابن دقيق العيد في الاقتراح إلى ضعفه ; حيث كان أول الخبر ; كقوله : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أسبغوا الوضوء ، أو من مس أنثييه لا سيما إن جاء ما بعده بواو العطف ، وكذا حيث كان في أثناء اللفظ المتفق على رفعه ، وكذا قال في الإمام له - : إنما يكون الإدراج بلفظ تابع يمكن استقلاله عن اللفظ السابق . انتهى .

وكأن الحامل لهم على عدم تخصيص ذلك بآخر الخبر تجويز كون التقديم والتأخير من الراوي ; لظنه الرفع في الجميع ، واعتماده الرواية بالمعنى ، فبقي المدرج حينئذ في أول الخبر وأثنائه بخلافه قبل ذلك .

وإلى نحوه أشار الناظم في شرح الترمذي وقال : وإن الراوي رأى أشياء متعاطفة ، فقدم وأخر ; لجواز ذلك عنده ، وصار الموقوف لذلك أول الخبر أو وسطه ، ولا شك أن الفاصل معه زيادة علم فهو أولى ، وبالجملة فقد قال شيخنا : إنه لا مانع من الحكم على ما في الأول أو الآخر أو الوسط بالإدراج ، إذا قام الدليل المؤثر [ على ] غلبة الظن .

وقد قال أحمد : كان وكيع يقول في الحديث : يعني كذا وكذا ، وربما طرح " يعني " ، وذكر التفسير في الحديث ، وكذا كان الزهري يفسر الأحاديث كثيرا ، وربما أسقط أداة التفسير ، فكان بعض أقرانه دائما يقول له : افصل كلامك من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غير ذلك من الحكايات .

ومن مدرج المتن أن يشترك جماعة عن شيخ في رواية ، ويكون لأحدهم زيادة يختص بها ، فيرويه عنهم راو بالزيادة من غير تمييز ، كرواية الأوزاعي عن الزهري ، [ ص: 304 ] عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وسعيد بن المسيب ، وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، ثلاثتهم عن أبي هريرة - حديث : لا يزني الزاني ، وفيه : ولا ينتهب نهبة .

فجملة " النهبة " إنما رواها الزهري عن أبي بكر خاصة ، بل روى الزهري أيضا عن عبد الملك بن أبي بكر ، عن أبيه أبي بكر المذكور ، أن أبا هريرة كان يلحقها في الخبر ، أي من قوله .

التالي السابق


الخدمات العلمية