فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ مدرج السند وأمثلته ] ( ومنه ) أي : المدرج - وهو الأول من ثلاثة أقسام ذكرها ابن الصلاح في السند - ( جمع ما أتى كل طرف منه ) عن راويه ( بإسناد ) غير إسناد الطرف الآخر ( بواحد سلف ) من السندين .

( كـ ) حديث ( وائل ) هو ابن حجر ( في صفة الصلاة ) النبوية الذي رواه زائدة وابن عيينة ، وشريك جميعا عن عاصم بن كليب ، عن أبيه عنه ( قد أدرج ) من بعض رواته في آخره بهذا السند .

( ثم جئتهم ) بعد ذلك بزمان فيه برد شديد ، فرأيت الناس عليهم جل الثياب تحرك أيديهم تحت الثياب ( وما اتحد ) شيخ عاصم في الجملتين ، بل الذي عنده بهذا السند صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة .

وأما الجملة الثانية فإنما رواها عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل ، فبينهما واسطتان ، بخلاف الأول ، كذلك فصلهما زهير بن معاوية ، وأبو [ ص: 305 ] بدر شجاع بن الوليد ، ورجح روايتهما موسى بن هارون البغدادي الفقيه الحافظ ، عرف بالحمال ، وقضى على الأول - وهو جمعهما بسند واحد - بالوهم .

وقال ابن الصلاح : إنه الصواب ، ونحو هذا القسم - وأفرده شيخنا عنه - أن يكون المتن عند راويه عن شيخ له إلا بعضه ، فإنما هو عنده بواسطة بينه وبين ذاك الشيخ ، فيدرجه بعض الرواة عنه بلا تفصيل ; كحديث إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس في قصة العرنيين ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم : لو خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها ; فإن لفظة " وأبوالها " إنما سمعها حميد من قتادة عن أنس ، كما بينه محمد بن أبي عدي ، ومروان بن معاوية ، ويزيد بن هارون وآخرون ; إذ رووه عن حميد عن أنس بلفظ فشربتم من ألبانها فعندهم : قال حميد : قال قتادة عن أنس : " وأبوالها " ; فرواية إسماعيل على هذا فيها إدراج يتضمن تدليسا .

( ومنه ) وهو ثاني الثلاثة ( أن يدرج ) من الراوي ( بعض ) حديث ( مسند في ) حديث ( غيره ) وهما عند راو واحد أيضا ، لكن ( مع اختلاف السند ) جميعه فيهما .

( نحو ) حديث : ( ولا تنافسوا ) حيث أدخل ( في متن لا تباغضوا ) المرفوع الثابت عن مالك عن الزهري عن أنس بلفظ : لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا فقط .

فـ ( لفظ ) : " ولا تنافسوا " ( مدرج ) فيه ( قد نقلا ) من راويه ( من متن لا تجسسوا ) بالجيم أو الحاء ، المرفوع الثابت عن مالك أيضا ، لكن عن أبي [ ص: 306 ] الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ : إياكم والظن ; فإن الظن أكذب الحديث ، ولا تجسسوا ولا تحسسوا ، ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ( أدرجه ) أي : " ولا تنافسوا " في السند الأولى من الثاني .

( ابن أبي مريم ) هو الحافظ أبو محمد سعيد بن محمد الحكم الجمحي المصري شيخ البخاري ( إذ أخرجه ) أي رواه عن مالك ، وصيرهما بإسناد واحد ، وهو وهم منه كما جزم به الخطيب ، وصرح هو وابن عبد البر معا بأنه خالف بذلك جميع الرواة عن مالك في الموطأ وغيره .

وكذا قال حمزة الكناني : لا أعلم أحدا قالها عن مالك في حديث أنس وغيره .

قلت : وكذا أدرجها عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري ، وخالف الحفاظ من أصحاب الزهري ، ولكن إنما يتم التمثيل في هذا القسم بحديث مالك ( ومنه ) وهو ثالث الثلاثة ( متن ) أي حديث ( عن جماعة ) من الرواة ( ورد وبعضهم ) أي : والحال أن بعضهم ( خالف بعضا ) بالزيادة أو النقص ( في السند فيجمع ) بعض الرواة ( الكل بإسناد ) واحد ( ذكر ) من غير بيان الاختلاف ، بل يدرج روايتهم على الاتفاق .

كمتن أي الذنب أعظم ؟ " قال : " أن تجعل لله ندا ( الخبر ) المروي عن ابن مسعود قال : قلت : يا رسول الله ، . . . وذكره ، ( فإن عمرا ) هو ابن شرحبيل أبو ميسرة أحد الكبار من التابعين ( عند واصل ) هو ابن حيان الأسدي الكوفي ( فقط بين ) شيخه ( شقيق ) هو ابن سلمة أبو وائل أحد كبار التابعين أيضا ، بل هو ممن أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكن لم يره .

( و ) بين ( ابن مسعود سقط ، وزاد الأعمش ) بنقل الهمزة ( كذا منصور ) بن المعتمر ; حيث روياه عن شقيق ، فلما رواه الثوري حسبما [ ص: 307 ] وقع من حديث ابن مهدي ، ومحمد بن كثير عنه عن الثلاثة ، أعني واصلا والأعمش ومنصورا ، أثبته في روايتهم ، وصارت رواية واصل مدرجة على رواية الآخرين .

وممن رواه عن واصل بحذفه سعيد بن مسروق ، وشعبة ، ومالك بن مغول ، ومهدي بن ميمون ، بل رواه عمرو بن علي الفلاس عن يحيى بن سعيد القطان ، عن الثوري نفسه بالتفصيل المذكور .

قال الفلاس : فذكرت ذلك لابن مهدي - يعني لكونه خلاف ما كان حدثه ، بل وحدث غيره به - فقال : دعه دعه فقوله : " دعه " يحتمل أنه أمر بالتمسك بما حدثه به ، وعدم الالتفات لخلافه .

ويحتمل أنه أمر بترك عمرو من حديث واصل لكونه تذكر أنه هو الصواب ، أو لكونه كان عنده محمولا على رفيقيه ، فلما سأله عنه بانفراده أخبره بالواقع ، لكن يعكر عليه رواية بندار عن ابن المهدي ، عن الثوري ، عن واصل وحده بإثباته .

وإن أمكن الجواب عنه بأن ذلك من تصرف بعض الرواة ; حيث ظن من رواية ابن مهدي حديث الثلاثة بالإثبات اتفاق طرقهم ، ولزم من ذلك أنه لما رواه من طريق واصل خاصة أثبته بناء على ما ظنه ، وذلك غير لازم .

ولهذا لا ينبغي - كما سيأتي التنبيه عليه في اختلاف ألفاظ الشيوخ - لمن يروي حديثا من طريق جماعة عن شيخ أن يحذف بعضهم ، بل يأتي به عن جميعهم لاحتمال أن يكون اللفظ سندا أو متنا لأحدهم الذي ربما يكون هو المحذوف ، ورواية من عداه محمولة عليه ، [ ص: 308 ] على أنه قد اختلف على الأعمش أيضا في إثبات عمرو وحذفه .

وبالجملة فهو في هذا المثال من المزيد في متصل الأسانيد ; لكون شقيق روى عن كل من عمرو وابن مسعود ، لكن قد يتضمن ارتكاب مثل هذا الصنيع إيهام وصل مرسل ، أو اتصال منقطع ، وما أحسن محافظة الإمام مسلم على التحري في ذلك ، وكذا شيخه الإمام أحمد .

ومن أقسام مدرج الإسناد أيضا وهو رابع أو خامس ألا يذكر المحدث متن الحديث ، بل يسوق إسناده فقط ، ثم يقطعه قاطع فيذكر كلاما فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد .

وله أمثلة ، منهما قصة ثابت بن موسى الزاهد مع شريك القاضي ، فقد جزم ابن حبان بأنه من المدرج ، ومثل بها ابن الصلاح لشبه الوضع كما سيأتي ( وعمد ) أي : تعمد ( الإدراج لها ) أي : لكل الأقسام المتعلقة بالمتن والسند ( محظور ) أي : حرام ; لما يتضمن من عزو الشيء لغير قائله ، وأسوأه ما كان في المرفوع مما لا دخل له في الغريب المتسامح في خلطه ، أو الاستنباط .

وقد صنف الخطيب في هذا النوع كتابا سماه ( الفصل للوصل المدرج في النقل ) ولخصه شيخنا مع ترتيبه له على الأبواب ، وزيادة لعلل وعزو ، وسماه ( تقريب المنهج بترتيب المدرج ) ، وقال فيه : إنه وقعت له جملة أحاديث على شرط الخطيب ، وإنه عزم على جمعها وتحريرها وإلحاقها بهذا المختصر أو في آخره مفردة كالذيل . وكأنه لم يبيضها فما رأيتها بعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية