فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ حكم بيان الموضوع ] ( وكيف كان ) الموضوع أي : في أي معنى كان من الأحكام ، أو القصص ، أو الفضائل ، أو الترغيب والترهيب أو غيرها ( لم يجيزوا ) أي : العلماء بالحديث وغيره ( ذكره ) برواية وغيرها ( لمن علم ) بإدغام ميمها فيما بعدها ، أنه موضوع لقوله - صلى الله عليه وسلم - : من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين و " يرى " مضبوطة بضم الياء بمعنى يظن ، وفي " الكاذبين " روايتان : إحداهما : بفتح الباء على إرادة التثنية ، والأخرى : بكسرها على صيغة الجمع .

وكفى بهذه الجملة وعيدا شديدا في حق من روى الحديث ، وهو يظن أنه كذب ، فضلا عن أن يتحقق ذاك ولا يبينه ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل المحدث بذلك مشاركا لكاذبه في وضعه .

وقد روى الثوري عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال : ( من روى الكذب فهو الكذاب ) .

ولذا قال الخطيب : ( يجب على المحدث ألا يروي شيئا من الأخبار المصنوعة والأحاديث الباطلة الموضوعة ، فمن فعل ذلك باء بالإثم المبين ، ودخل في جملة الكذابين ) .

وكتب البخاري على حديث موضوع : من حدث بهذا ، استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل . لكن محل هذا ( ما لم يبين ) ذاكره ( أمره ) ; كأن يقول : هذا كذب ، أو باطل ، أو نحوهما من الصريح في ذلك .

[ ص: 312 ] وفي الاقتصار على التعريف بكونه موضوعا نظر ، فرب من لا يعرف موضوعه ; كما قدمت الحكاية فيه ، وكذا لا يبرأ من العهدة في هذه الأعصار بالاقتصار على إيراد إسناده بذلك ; لعدم الأمن من المحذور به ، وإن صنعه أكثر المحدثين في الأعصار الماضية في سنة مائتين ، وهلم جرا ، خصوصا الطبراني ، وأبو نعيم ، وابن منده .

فإنهم إذا ساقوا الحديث بإسناده ، اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته ، حتى بالغ ابن الجوزي فقال في الكلام على حديث أبي الآتي : ( إن شره جمهور المحدثين يحمل على ذلك ، فإن من عاداتهم تنفيق حديثهم ولو بالأباطيل ، وهذا قبيح منهم ) .

قال شيخنا : ( وكأن ذكر الإسناد عندهم من جملة البيان ، هذا مع إلحاق اللوم لمن سمينا بسببه ) .

وأما الشارح فإنه قال : ( إن من أبرز إسناده به ، فهو أبسط لعذره ; إذ أحال ناظره على الكشف عن سند ، وإن كان لا يجوز له السكوت عليه من غير بيان ) . انتهى .

قال الخطيب : ( ومن روى حديثا موضوعا على سبيل البيان لحال واضعه ، والاستشهاد على عظيم ما جاء به ، والتعجب منه ، والتنفير عنه - ساغ له ذلك ، وكان بمثابة إظهار الشاهد في الحاجة إلى كشفه والإبانة عنه ) .

وأما الضعيف فسيأتي بيان حكمه في ذلك إن شاء الله قبيل معرفة من تقبل روايته قريبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية