فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ الكتب المصنفة في الموضوع ] ويوجد الموضوع كثيرا في الكتب المصنفة في الضعفاء ، وكذا في العلل ، ( و ) لقد ( أكثر الجامع فيه ) مصنفا نحو مجلدين ( إذ خرج ) عن موضوع كتابه ( لمطلق الضعف ) ; حيث أخرج فيه كثيرا من الأحاديث الضعيفة التي لا دليل معه على وضعها .

و ( عنى ) ابن الصلاح بهذا الجامع الحافظ الشهير ( أبا الفرج ) بن الجوزي ، بل ربما أدرج فيها الحسن ، والصحيح [ ص: 313 ] مما هو في أحد الصحيحين ، فضلا عن غيرهما ، وهو مع إصابته في أكثر ما عنده توسع منكر ، ينشأ عنه غاية الضرر من ظن ما ليس بموضوع بل هو صحيح موضوعا ، مما قد يقلده فيه العارف تحسينا للظن به ; حيث لم يبحث فضلا عن غيره .

ولذا انتقد العلماء صنيعه إجمالا ، والموقع له فيه إسناده في غالبه بضعف راويه الذي رمي بالكذب مثلا ، غافلا عن مجيئه من وجه آخر .

وربما يكون اعتماده في التفرد قول غيره ممن يكون كلامه فيه محمولا على النسبي ، هذا مع أن مجرد تفرد الكذاب بل الوضاع ، ولو كان بعد الاستقصاء في التفتيش من حافظ متبحر تام الاستقراء - غير مستلزم لذلك ، بل لا بد معه من انضمام شيء مما سيأتي .

ولذا كان الحكم به من المتأخرين عسيرا جدا ، وللنظر فيه مجال ، بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث والتوسع في حفظه ; كشعبة والقطان ، وابن مهدي ونحوهم ، وأصحابهم مثل أحمد وابن المديني ، وابن معين ، وابن راهويه ، وطائفة ، ثم أصحابهم مثل البخاري ، ومسلم ، وأبي داود ، والترمذي ، والنسائي .

وهكذا إلى زمن الدارقطني والبيهقي ، ولم يجئ بعدهم مساو لهم ، ولا مقارب . أفاده العلائي ، وقال : ( فمتى وجدنا في كلام أحد من المتقدمين الحكم به ، كان معتمدا ; لما أعطاهم الله من الحفظ الغزير ، وإن اختلف النقل عنهم ، عدل إلى الترجيح ) . انتهى .

وفي جزمه باعتمادهم في جميع ما حكموا به من ذلك توقف ، ثم إن من العجب إيراد ابن الجوزي في كتابه ( العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ) كثيرا مما أورده [ ص: 314 ] في الموضوعات كما أن في الموضوعات كثيرا من الأحاديث الواهية ، بل قد أكثر في تصانيفه الوعظية ، وما أشبهها من إيراد الموضوع وشبهه .

قال شيخنا : وفاته من نوعي الموضوع والواهي في الكتابين قدر ما كتب .

قال : ( ولو انتدب شخص لتهذيب الكتاب ثم لإلحاق ما فاته ، لكان حسنا ، وإلا فما تقرر عدم الانتفاع به إلا للناقد ; إذ ما من حديث إلا ويمكن ألا يكون موضوعا ، وهو والحاكم في مستدركه على الصحيحين طرفا نقيض ، يعني فإنه أدرج فيه الحسن ، بل والضعيف ، وربما كان فيه الموضوع .

وممن أفرد بعد ابن الجوزي في الموضوع كراسة الرضي الصغاني اللغوي ، ذكر فيها أحاديث من ( الشهاب ) للقضاعي ، و ( النجم ) للإقليشي وغيرهما كـ ( الأربعين ) لابن ودعان ، و ( فضائل العلماء ) لمحمد بن سرور البلخي ، و ( الوصية ) لعلي بن أبي طالب ، و ( خطبة الوداع وآداب النبي - صلى الله عليه وسلم - ) وأحاديث أبي الدنيا الأشج ، ونسطور [ ص: 315 ] ، ويغنم بن سالم ، ودينار الحبشي ، وأبي هدبة إبراهيم بن هدبة ، ونسخة سمعان عن أنس و ( الفردوس ) للديلمي ، وفيها الكثير أيضا من الصحيح والحسن ، وما فيه ضعف يسير .

وقد أفرده الناظم في جزء ، وللجوزقاني أيضا " كتاب الأباطيل " أكثر فيه من الحكم بالوضع لمجرد مخالفة السنة .

قال شيخنا : وهو خطأ ، إلا إن تعذر الجمع ; ومن ذلك حديث : لا يؤمن عبد قوما ، فيخص نفسه بدعوة دونهم . . . . . الحديث ، حكم عليه بعضهم بالوضع ; لأنه قد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي ، وهذا خطأ لإمكان حمله على ما لم يشرع للمصلي من الأدعية ، بخلاف ما يشترك فيه الإمام والمأموم .

وكذا صنف عمر بن بدر الموصلي كتابا سماه " المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم : لم يصح شيء في هذا الباب " وعليه فيه مؤاخذات كثيرة ، وإن كان له في كل من أبوابه سلف من الأئمة خصوصا المتقدمين ، [ ونحو هذا أشياء كلية [ ص: 316 ] منتقد كثير فيها ; كقول : كل حديث فيه : يا حميراء ، وكل حديث فيه زبد البحر ، وأما قولهم : حديث كذا ليس أصلا ، ولا أصل له فقال ابن تيمية : معناه ليس له إسناد ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية