فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ حكم القلب للامتحان ] : واختلف في حكمه فممن استعمله بهذا المقصد سوى من حكيناه عنهم حماد بن سلمة ، وشعبة ، وأكثر منه ، ولكن أنكره عليه حرمي لما حدثه بهز أنه قلب أحاديث على أبان بن أبي عياش ، فقال : يا بئس ما [ ص: 340 ] صنع ، وهذا يحل ؟ وقال يحيى القطان - كما سيأتي قريبا - : لا أستحله ، وكأنه لما يترتب عليه من تغليظ من يمتحنه واستمراره على روايته لظنه أنه صواب ، وقد يسمعه من لا خبرة له فيرويه ظنا منه أنه صواب .

واشتد غضب محمد بن عجلان على من فعل به ذلك ، فروينا في المحدث الفاصل للرامهرمزي من طريق يحيى بن سعيد القطان قال : قدمت الكوفة ، وبها ابن عجلان ، وبها ممن يطلب الحديث مليح بن الجراح أخو وكيع ، وحفص بن غياث ، ويوسف بن خالد السمتي ، فكنا نأتي ابن عجلان ، فقال يوسف : هلم نقلب عليه حديثه حتى ننظر فهمه .

قال : ففعلوا ، فما كان عن أبيه جعلوه عن سعيد المقبري ، وما كان عن سعيد جعلوه عن أبيه ، قال يحيى : فقلت لهم : لا أستحل هذا ، فدخلوا عليه فأعطوه الجزء فمر فيه ، فلما كان عند آخر الكتاب انتبه ، فقال أعد ، فعرضت عليه ، فقال : ما كان عن أبي فهو عن سعيد ، وما كان عن سعيد فهو عن أبي .

ثم أقبل على يوسف فقال : إن كنت أردت شيني وعيبي فسلبك الله الإسلام ، وقال لحفص : فابتلاك الله في دينك ودنياك ، وقال لمليح : لا نفعك الله بعلمك .

قال يحيى : فمات مليح قبل أن ينتفع بعلمه ، وابتلي حفص في بدنه بالفالج وفي دينه بالقضاء ، ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة .

وكذا اشتد غضب أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري في ذلك أيضا ، قال أحمد بن المنصور الرمادي : خرجت مع أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين إلى عبد الرزاق أخدمهما ، فلما عدنا إلى الكوفة ، قال يحيى لأحمد : أريد أن أختبر أبا نعيم ، فقال له أحمد : لا تفعل ، الرجل ثقة ، فقال : لا بد لي . فأخذ ورقة فكتب [ ص: 341 ] فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم ، وجعل على كل عشرة منها حديثا ليس من حديثه ، ثم جاءوا إلى أبي نعيم ، فخرج فجلس على دكان ، فأخرج يحيى الطبق فقرأ عليه عشرة ، ثم قرأ الحادي عشر ، فقال أبو نعيم : ليس من حديثي ، اضرب عليه .

ثم قرأ العشر الثاني وأبو نعيم ساكت ، فقرأ الحديث الثاني : فقال : ليس من حديثي ، اضرب عليه . ثم قرأ العشر الثالث ، وقرأ الحديث الثالث ، فانقلبت عيناه وأقبل على يحيى فقال : أما هذا - وذراع أحمد في يده - فأورع من أن يعمل هذا ، وأما هذا ، يريدني ، فأقل من أن يعمل هذا ، ولكن هذا من فعلك يا فاعل ! ثم أخرج رجله فرفسه فرمى به ، وقام فدخل داره .

فقال أحمد ليحيى : ألم أقل لك : إنه ثبت ؟ قال : والله لرفسته أحب إلي من سفرتي .

وقال الشارح : وفي جوازه نظر ، إلا أنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثا .

قلت : إلا في النادر ، وبالجملة فقد قال شيخنا : إن مصلحته - أي : التي منها معرفة رتبته في الضبط في أسرع وقت - أكثر من مفسدته ، قال : وشرطه - أي : الجواز ، ألا يستمر عليه ، بل ينتهي بانتهاء الحاجة .

التالي السابق


الخدمات العلمية