فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
[ قلب المتن وأمثلته ] وأما قلب المتن فحقيقته أن يعطى أحد الشيئين ما اشتهر للآخر ، ونحوه قول ابن الجزري : هو الذي يكون على وجه فينقلب بعض لفظه على الراوي ، فيتغير معناه وربما انعكس ، وجعله نوعا مستقلا سماه المنقلب ، فاجتمع بما ذكرناه أربعة أنواع هي في الحقيقة أقسام .

وأمثلته في المتن قليلة ; كحديث : حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ; فإنه جاء مقلوبا بلفظ : حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله .

وما اعتنى بجمعها ، بل ولا بالإشارة إليها إلا أفراد منهم من المتأخرين [ ص: 346 ] الجلال بن البلقيني في جزء مفرد ، ونظمها في أبيات ، ومما ذكره تبعا لمحاسن والده - رحمهما الله - حديث عائشة مرفوعا : إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال فهو مقلوب ; إذ الصحيح في لفظه عن عائشة : إن بلالا يؤذن بليل الحديث .

وكذا جاء عن ابن عمر ، ولم يرتض البلقيني جمع ابن خزيمة بينهما ، بتجويز أن يكون - صلى الله عليه وسلم - كان جعل أذان الليل نوبا بينهما ، فجاء الخبران على حسب الحالين ، وإن تابعه ابن حبان عليه ، بل بالغ فجزم به .

وقال البلقيني : إنه بعيد ، ولو فتحنا باب التأويل ، لاندفع كثير من علل المحدثين .

وأما شيخنا فمال إلى ضعف رواية القلب . وقال ابن عبد البر : المحفوظ حديث ابن عمر ، وهو الصواب .

ومن أمثلته ما رواه البخاري من طريق عبيد الله بن عمر ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن [ واسع بن حبان ] ، عن ابن عمر قال : ( ارتقيت فوق بيت حفصة ، فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقضي حاجته مستدبر القبلة ، مستقبل الشام ) .

فرواه ابن حبان كما في نسخة صحيحة معتمدة قديمة جدا من طريق وهيب عن عبيد الله بن عمر وغيره ، عن محمد بن يحيى بلفظ : ( مستقبل القبلة ، مستدبر [ ص: 347 ] الشام ) ; رواه عن الحسن بن سفيان عن إبراهيم بن الحجاج ، عن وهيب ، وهو مقلوب .

قد رواه الإسماعيلي في مستخرجه عن أبي يعلى ، عن إبراهيم ، فقال : ( مستدبر القبلة مستقبل الشام ) كالجادة ، فانحصر في الحسن بن سفيان أو ابن حبان .

التالي السابق


الخدمات العلمية