[ الكلام على حديث : يحمل هذا العلم ]  
  ( يحمل هذا العلم ) من كل خلف عدوله ، ينفون عنه تحريف الغالين     ; أي : المتجاوزين الحد ، وانتحال أي : ادعاء المبطلين ، وتأويل الجاهلين ( لكن ) قد ( خولفا )  
 nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر  ، لكون الحديث مع كثرة طرقه ضعيفا ، بحيث قال الشارح : إنه لا يثبت منها شيء ، بل قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر  نفسه : أسانيده كلها مضطربة غير مستقيمة .  
وقال  
 nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني     : إنه لا يصح مرفوعا ، يعني : مسندا ، وقال شيخنا : وأورده  
 nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي  من طرق كثيرة كلها ضعيفة ، وحكم غيره عليه بالوضع ، وإن قال  
العلائي  في حديث  
أسامة  منها : إنه حسن غريب .  
وصحح الحديث  
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  ، وكذا نقل  
العسكري  في الأمثال عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=12170أبي موسى عيسى بن صبيح  تصحيحه ،  
فأبو موسى  هذا ليس بعمدة ، وهو من كبار المعتزلة .   
[ ص: 17 ] وأحمد  فقد تعقب  
 nindex.php?page=showalam&ids=12858ابن القطان  كلامه ، وحديث  
أسامة  بخصوصه قال فيه  
أبو نعيم     : إنه لا يثبت .  
وقال  
ابن كثير     : في صحته نظر قوي ، والأغلب عدم صحته ، ولو صح لكان ما ذهب إليه قويا - انتهى .  
وسأحقق الأمر فيه إن شاء الله تعالى ; فإنه عندي من غير مرسل  
إبراهيم العذري  عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد   nindex.php?page=showalam&ids=98وجابر بن سمرة   nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس   nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر  وابن عمرو   nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود  وعلي  ومعاذ  وأبي أمامة   nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة  رضي الله عنهم .  
وعلى كل حال من صلاحيته للحجة أو ضعفه ، فإنما يصح الاستدلال به أن لو كان خبرا ، لا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم ، وهو غير عدل وغير ثقة ، وكيف يكون خبرا  
 nindex.php?page=showalam&ids=13332وابن عبد البر  نفسه يقول : فهو عدل محمول في أمره على العدالة حتى يتبين جرحه ، فلم يبق له محمل إلا على الأمر ، ومعناه أنه أمر الثقات بحمل العلم ; لأن العلم إنما يقبل عن الثقات .  
ويتأيد بأنه في بعض طرقه : " ليحمل " بلام الأمر ، على أنه لا مانع من إرادة الأمر أن يكون بلفظ الخبر .   
[ ص: 18 ] وحينئذ سواء روي بالرفع على الخبرية ، أو بالجزم على إرادة لام الأمر ، فمعناهما واحد ، بل لا مانع أيضا من كونه خبرا على ظاهره ، ويحمل على الغالب ، والقصد أنه مظنة لذلك .  
وقد قال  
النووي  في أول تهذيبه عند ذكر هذا الحديث : وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بصيانة العلم وحفظه ، وعدالة ناقليه ، وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفا من العدول يحملونه ، وينفون عنه التحريف فلا يضيع ، وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر ، وهكذا وقع ولله الحمد ، وهذا من أعلام النبوة ، ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئا من العلم ; فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه ، لا أن غيرهم لا يعرف شيئا منه - انتهى .  
على أنه يقال :  
ما يعرفه الفساق من العلم ليس بعلم حقيقة     ; لعدم علمهم به ، كما أشار إليه  
التفتازاني  في تقرير قول التلخيص : وقد ينزل العالم منزلة الجاهل .  
وصرح به  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  في قوله :  
ولا العلم إلا مع التقى  ولا العقل إلا مع الأدب  
ومن الغريب في ضبطه ما حكاه الشارح في نكته عن فوائد رحلة  
 nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح  مما عزاه  
لأبي عمرو محمد بن أحمد التميمي     : " يحمل " بضم التحتانية على البناء للمفعول ، ورفع ميم العلم ، وبفتح العين واللام من عدولة ، مع إبدال الهاء تاء منونة .  
ومعناه أن الخلف هو العدولة بمعنى أنه عادل ، كما يقال : شكور بمعنى شاكر ،      
[ ص: 19 ] وتكون الهاء للمبالغة ، كما يقال : رجل صرورة ، فكأنه قال : إن العلم يحمل عن كل خلف كامل في عدالته .  
لكن يتأيد بما حكاه  
العسكري  عن بعضهم أنه قال عقب الحديث : فسبيل العلم أن يحمل عمن هذه سبيله ووصفه .  
ونحوه ما يروى مرفوعا :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=929864أن هذا العلم دين ، فانظر عمن تأخذ دينك     . ومع هذه الاحتمالات فلا يسوغ الاحتجاج به .  
وقوي قول  
 nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح     : إنه توسع غير مرضي ، ووافقه  
 nindex.php?page=showalam&ids=12453ابن أبي الدم  قال : إنه قريب الاستمداد من مذهب  
أبي حنيفة  في أن  
ظاهر المسلمين العدالة  ، وقبول شهادة كل مسلم مجهول الحال إلى أن يثبت جرحه .  
قال : وهو غير مرضي عندنا ; لخروجه عن الاحتياط . ويقرب منه ما ذهب إليه  
مالك  من قبول شهادة المتوسمين من أهل القافلة اعتمادا على ظاهر أحوالهم المستدل بها على العدالة والصدق فيما يشهدون به .   
[ ص: 20 ] على أن  
 nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر  قد سبق بذلك ، فروينا في شرف أصحاب الحديث  
للخطيب  من طريق  
 nindex.php?page=showalam&ids=13287محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة  قال : رأيت رجلا قدم آخر إلى  
 nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل بن إسحاق القاضي  ، فادعى عليه بشيء ، فأنكر ، فقال للمدعي : ألك بينة ؟ قال : نعم ، فلان وفلان ، أما فلان فمن شهودي ، وأما فلان فليس من شهودي ، قال : فيعرفه القاضي ؟ قال : نعم ، قال : بماذا ؟ قال : أعرفه بكتب الحديث ، قال : فكيف تعرفه في كتبته الحديث ؟ قال : ما علمت إلا خيرا ، قال : فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( (  
يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله     ) ) ، ومن عدله رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى ممن عدلته أنت ، قال : فقم فهاته ، فقد قبلت شهادته .
ونحوه قول  
ابن المواق  من المتأخرين : أهل العلم محمولون على العدالة ، حتى يظهر منهم خلاف ذلك . وقال  
ابن الجزري     : إن ما ذهب إليه  
 nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر  هو الصواب وإن رده بعضهم ، وسبقه  
المزي  فقال : هو في زماننا مرضي ، بل ربما يتعين .  
ونحوه قول  
ابن سيد الناس     : لست أراه إلا مرضيا ، وكذا قال  
الذهبي     : إنه حق ، قال : ولا يدخل في ذلك المستور ; فإنه غير مشهور بالعناية بالعلم ، فكل من اشتهر بين الحفاظ بأنه من أصحاب الحديث ، وأنه معروف بالعناية بهذا الشأن ، ثم كشفوا عن أخباره فما وجدوا فيه تليينا ، ولا اتفق لهم علم بأن أحدا وثقه ، فهذا الذي عناه الحافظ ، وأنه يكون مقبول الحديث إلى أن يلوح فيه جرح .  
قال : ومن ذلك إخراج  
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  ومسلم  لجماعة ما اطلعنا فيهم على جرح ولا      
[ ص: 21 ] توثيق ، فهؤلاء يحتج بهم ; لأن الشيخين احتجا بهم ; ولأن الدهماء أطبقت على تسمية الكتابين بالصحيحين .  
قلت : بل أفاد  
التقي ابن دقيق العيد  أن إطباق جمهور الأمة أو كلهم على كتابيهما يستلزم إطباقهم أو أكثرهم على تعديل الرواة المحتج بهم فيهما اجتماعا وانفرادا ، قال : مع أنه قد وجد فيهم من تكلم فيه .  
ولكن كان الحافظ  
 nindex.php?page=showalam&ids=16605أبو الحسن بن المفضل  شيخ شيوخنا يقول فيهم : إنهم جازوا القنطرة ، يعني أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيهم .  
قال  
التقي     : وهكذا نعتقد ، وبه نقول ، ولا نخرج عنه إلا ببيان شاف وحجة ظاهرة تزيد في غلبة الظن على ما قدمناه من استلزام الاتفاق .  
ووافقه شيخنا ، بل صرح بعضهم باستلزام القول بالقطع بصحة ما لم ينتقد من أحاديثهما القطع بعدالة رواتهما ، يعني فيما لم ينتقد . ثم قال  
التقي     : نعم ، يمكن أن يكون للترجيح مدخل عند تعارض الروايات ، فيكون من لم يتكلم فيه أصلا راجحا على من قد تكلم فيه وإن اشتركا في كونهما من رجال الصحيح - انتهى .  
ويستأنس لما ذهب إليه  
 nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر  بما جاء بسند جيد  أن  
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  كتب إلى  
أبي موسى  رضي الله عنهما : ( المسلمون عدول بعضهم على بعض ، إلا مجلودا في حد ، أو مجربا عليه شهادة زور ، أو ظنينا في ولاء أو نسب .   
[ ص: 22 ] قال  
البلقيني     : وهذا يقويه ، لكن ذاك مخصوص بحملة العلم . قلت : وكذا مما يقويه أيضا كلام  
الخطيب  الماضي قبل حكاية هذه المسألة .