صفحة جزء
[ ص: 413 ] 47 - قالوا : حديثان متناقضان

الحجر الأسود

قالوا : رويتم عن حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : الحجر الأسود من الجنة ، وكان أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك ، ثم رويتم أن ابن الحنفية سئل ، عن الحجر الأسود فقال : إنما هو من بعض هذه الأودية قالوا : وهذا اختلاف وبعد فكيف يجوز أن ينزل الله تعالى حجرا من الجنة وهل في الجنة حجارة ، وإن كانت الخطايا سودته فقد ينبغي أن يبيض لما أسلم الناس ويعود إلى حالته الأولى .

الاختلاف بالرأي والاجتهاد :

قال أبو محمد : ونحن نقول : إنه ليس بمنكر أن يخالف ابن الحنفية ابن عباس ، ويخالف علي عمر ، وزيد بن ثابت ابن مسعود في التفسير وفي الأحكام ، وإنما المنكر أن يحكوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرين مختلفين من غير تأويل ، فأما اختلافهم فيما بينهم فكثير ، فمنهم من يعمل على شيء سمعه ، ومنهم من يستعمل ظنه ، ومنهم من يجتهد رأيه .

[ ص: 414 ] ولذلك اختلفوا في تأويل القرآن وفي أكثر الأحكام ، غير أن ابن عباس قال في الحجر بقول سمعه ولا يجوز غير ذلك ؛ لأنه يستحيل أن يقول : كان أبيض وهو من الجنة برأي نفسه ، وإنما الظان ابن الحنفية ؛ لأنه رآه بمنزلة غيره من قواعد البيت فقضى عليه بأنه أخذ من حيث أخذت ، والأخبار المقوية لقول ابن عباس في الحجر ، وأنه من الجنة كثيرة منها أنه يأتي يوم القيامة وله لسان وشفتان ، يشهد لمن استلمه بحق ، ومنها أنه يمين الله - عز وجل - في الأرض يصافح بها من شاء من خلقه ، وقد تقدم ذكر هذا ومنها ما ذكره وهب بن منبه فإنه قال : كان لؤلؤة بيضاء فسوده المشركون .

وأما قولهم : هل في الجنة حجارة ؟ فما الذي أنكروه من أن يكون في الجنة حجارة ، وفيها الياقوت وهو حجر والزمرد حجر والذهب والفضة من الحجارة ، وما الذي أنكروه من تفضيل الله تعالى حجرا حتى لثم واستلم ؟ والله تعالى يستعبد عباده بما شاء من العمل والفعل ويفضل بعض ما خلق على بعض ، فليلة القدر خير من ألف شهر ليست فيها ليلة القدر ، والسماء أفضل من الأرض ، والكرسي أفضل من السماء ، والعرش أفضل من الكرسي ، والمسجد الحرام أفضل من المسجد الأقصى ، والشام أفضل من العراق ، وهذا كله مبتدأ بالتفضيل لا بعمل عمله ، ولا بطاعة كانت منه ، كذلك الحجر أفضل من الركن اليماني ، [ ص: 415 ] والركن اليماني أفضل من قواعد البيت والمسجد أفضل من الحرم والحرم أفضل من بقاع تهامة .

وأما قولهم : إن كانت الخطايا سودته فقد يجب أن يبيض لما أسلم الناس ، فمن الذي أوجب أن يبيض بإسلام الناس ، ولو شاء الله تعالى لفعل ذلك من غير أن يجب .

وبعد فإنهم أصحاب قياس وفلسفة ، فكيف ذهب عليهم أن السواد يصبغ ولا ينصبغ والبياض ينصبغ ولا يصبغ .

التالي السابق


الخدمات العلمية