صفحة جزء
[ ص: 468 ] 59 - قالوا : حديثان متناقضان في شرب الماء قائما

قالوا : رويتم عن ابن المبارك ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يشرب الرجل قائما . قلت : فالأكل ؟ قال : الأكل أشد منه .

ثم رويتم عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يشرب وهو قائم [ ص: 469 ] وهذا نقض لذاك .

قال أبو محمد : ونحن نقول : إنه ليس هاهنا تناقض ؛ لأنه في الحديث الأول نهى أن يشرب الرجل أو يأكل ماشيا ، يريد أن يكون شربه وأكله على طمأنينة ، وأن لا يشرب إذا كان مستعجلا في سفر ، أو حاجة وهو يمشي فيناله من ذلك شرق ، أو تعقد من الماء في صدره .

والعرب تقول : قم في حاجتنا . لا يريدون أن يقوم حسب ، وإنما يريدون امش في حاجتنا اسع في حاجتنا ، ومن ذلك قول الأعشى :


يقوم على الوغم قومه فيعفو إذا شاء أو ينتقم



يريد بقوله : يقوم على الوغم أنه يطالب بالذحل ويسعى في ذلك حتى يدركه ، ولم يرد أنه يقوم من غير أن يمشي ، ومنه قول الله - جل وعز - : ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ، يريد ما دمت مواظبا عليه بالاختلاف والاقتضاء والمطالبة ، ولم يرد القيام وحده .

وفي الحديث الثاني : كان يشرب وهو قائم ، يراد غير ماش ولا ساع ، ولا بأس بذلك ؛ لأنه يكون على طمأنينة ، فهو بمنزلة القاعد .

التالي السابق


الخدمات العلمية