[ ص: 473 ]    62 - قالوا : حديث يبطله حجة العقل  
في العين والرقى  
قالوا : رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=949994كادت العين تسبق القدر  ،  
nindex.php?page=hadith&LINKID=949995ودخل عليه بابني   nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب     - رضي الله عنهما - وهما ضارعان فقال : ما لي أراهم ضارعين ؟ قالوا : تسرع إليهما العين فقال : استرقوا لهما     .  
وقد نهى في غير حديث عن الرقى ، قالوا : وكيف تعمل العين من بعد حتى تعل وتسقم ؟ هذا لا يقوم في وهم ولا يصح على نظر .  
قال  
أبو محمد     : ونحن نقول : إن هذا قائم في الوهم صحيح في النظر من جهة الديانة ، ومن جهة الفلسفة التي يرتضون بها ويردون الأمور إليها والناس يختلفون في طبائعهم ، فمنهم من تضر عينه إذا أصاب بها ، ومنهم من لا تضر عينه ،      
[ ص: 474 ] ومنهم من يعض فتكون عضته كعضة الكلب الكلب في المضرة ، أو كنهشة الأفعى لا يسلم جريحها ومنهم من تلسعه العقرب ، فلا تؤذيه وتموت العقرب ، وقد جيء إلى  
المتوكل  بأسود من بعض البوادي يأكل الأفاعي وهي أحياء ، ويتلقاها بالنهش من جهة رءوسها ، ويأكل ابن عرس وهو حي ويتلقاه بالأكل من جهة رأسه .  
وأتي بآخر يأكل الجمر كما يأكله الظليم فلا يمضه ولا يحرقه ، وفقراء الأعراب الذين يبعدون عن الريف يأكلون الحيات وكل ما دب ودرج من الحشرات ، ومنهم من يأكل الأبارص ، ولحمها أقتل من الأفاعي والتنين .  
وأنشد  
أبو زيد     :  
والله لو كنت لهذا خالصا  لكنت عبدا يأكل الأبارصا  
فأخبرك أن العبيد يأكلونها ، فما الذي ينكر من أن يكون في الناس ذو طبيعة في نفسه ذات سم وضرر ، فإذا نظر بعينه فأعجبه ما يراه فصل من عينه في الهواء شيء من      
[ ص: 475 ] تلك الطبيعة ، أو ذلك السم حتى يصل إلى المرئي فيعله ، وقد زعم صاحب المنطق أن رجلا ضرب حية بعصا فمات الضارب ، وإن من الأفاعي ما ينظر إلى الإنسان فيموت الإنسان بنظره ، وما يصوت فيموت السامع بصوته ، فهذا قول أهل الفلسفة .  
وقد حدثنا مع هذا عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=15409النضر بن شميل  ،  عن  
أبي خيرة  أنه قال : الأبتر من الحيات خفيف أزرق مقطوع الذنب ، يفر من كل أحد ، ولا يراه أحد إلا مات ، ولا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها ، وهو الشيطان من الحيات ، وهذا قول يوافق ما قاله صاحب المنطق .  
أفما تعلم أن هذه الحية إذا قتلت من بعد فإنما تقتل بسم فصل من عينها في الهواء حتى أصاب من رأته ، وكذلك القاتلة بصوتها تقتل بسم فصل من صوتها ، فإذا دخل السمع قتل .  
وقد ذكر  
 nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي  مثل هذا بعينه في الذي يعتان .  
وبلغني عنه أنه قال : رأيت رجلا عيونا فدعي عليه فعور .  
وكان يقول : إذا رأيت الشيء يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني .  
ومما يشبه هذا القول : أن المرأة الطامث تدنو من إناء اللبن لتسوطه وهي منظفة الكف والثوب فيفسد اللبن ، وهذا معروف مشهور وليس ذلك إلا لشيء فصل عنها حتى وصل إلى اللبن .   
[ ص: 476 ] وقد تدخل البستان فتضر بكثير من الغروس فيه من غير أن تمسها ، وقد يفسد العجين إذا قطع في البيت الذي فيه البطيخ .  
وناقف الحنظل تدمع عيناه ، وكذلك موخف الخردل وقاطع البصل ، وقد ينظر الإنسان إلى العين المحمرة فتدمع عينه ، وربما احمرت وليس ذلك إلا لشيء وصل في الهواء إليها من العين العليلة ، وقد يتثاءب الرجل فيتثاءب غيره . والعرب تقول : أسرع من عدوى الثؤباء .  
وما أكثر ما يختدع الراقون بالتثاؤب ، فإنهم إذا رقوا عليلا تثاءبوا فتثاءب العليل بتثاؤبهم ، وأكثروا وأكثر ، فيوهمون العليل أن ذلك فعل الرقية ، وأنه تحليل منها للعلة ، وقد يكون في الدار جماعة من الصبيان ويجدر أحدهم فيجدر الباقون ، وليس ذلك إلا لشيء فصل من العليل في الهواء إلى من كان مثله ممن لم يجدر قط ، وليس هو من العدوى في شيء ، إنما هو سم ينفذ من واحد إلى آخر ، وهذا من أمر العين صحيح .  
وأما ما يدعيه قوم من الأعراب أن العائن منهم يقتل من أراد ويسقم من أراد بعينه ، وأن الرجل منهم كان يقف على مخرفة النعم ، وهو طريقها إلى الماء فيصيب ما أراد من تلك الإبل بعينه حتى يقتله ، فهذا ليس بصحيح .  
وقد قال الفراء في قول الله سبحانه :  
وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر     .   
[ ص: 477 ] أراد يعتانونك أي : يصيبونك بعيونهم كما يعتان الرجل الإبل إذا صدرت عن الماء ، وليس هو عندنا على ما تأول ، وإنما أراد أنهم ينظرون إليك بالعداوة والبغضاء نظرا يكاد يزلقك من شدته حتى تسقط ، ويدلك على ذلك قول الشاعر :  
يتقارضون إذا التقوا في موطن      نظرا يزيل مواطئ الأقدام  
أي : يكاد يزيلها عن مواطئها من شدته وصلابته ، وهذا نظر العدو المبغض .  
تقول الناس : نظر إلي شزرا ، ونظر إلي محدقا ، وأريته لمحا باصرا .  
ونحوه قول الله تعالى :  
ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت  ؛ لأن المغشي عليه عند الموت يشخص بصره ولا يطرف ، ويقول الله - جل وعز - : " فإذا برق البصر " ، في قراءة من قرأه بفتح الراء يريد بريقه .   
[ ص: 478 ] ولو كان ما ادعاه الأعراب من ذلك صحيحا ، لأمكنهم قتل من أرادوا قتله ، وإسقام من أرادوا إسقامه ، ولم يجعل الله سبحانه هذا لأحد على أحد .  
وأحسب أن العين إذا خاف أن يصيب الآخر بعينه إذا أعجبه ؛ أردفها التبريك والدعاء كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :  
إذا أعجب أحدكم أخوه فليبرك عليه     .  
وإنما يصح من العين أن يكون العائن يصيب بعينه إذا تعجب من شيء ، أو استحسنه فيكون الفعل لنفسه بعينه ؛ ولذلك سموا العين نفسا ؛ لأنها تفعل بالنفس .  
وجاء في الحديث :  
nindex.php?page=hadith&LINKID=949997لا رقية إلا من عين أو حمة أو نملة أو نفس  ، فالنفس العين ، والحمة الحيات والعقارب وأشباهها من ذوات السموم ، والنملة قروح تخرج في الجنب .  
nindex.php?page=hadith&LINKID=949998وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -  للشفاء     : علمي  حفصة  رقية النملة والنفس والعين     .  
وقال  
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  في الكلاب :  إنها من الجن وهي ضعفة الجن ، فإذا غشيتكم عند طعامكم فألقوا لها فإن لها أنفسا     . يريد أن لها عيونا تضر بنظرها إلى من يطعم بحضرتها .