صفحة جزء
[ ص: 143 ] ذكر الأحاديث التي ادعوا عليها التناقض والأحاديث التي تخالف عندهم كتاب الله تعالى والأحاديث التي يدفعها النظر وحجة العقل .

[ ص: 144 ] [ ص: 145 ] حديث يخالف آية .

1 - أخذ العهد على ذرية آدم .

فمن ذلك حديث ذكروا أنه يخالف كتاب الله تعالى قالوا : رويتم أن الله تعالى مسح على ظهر آدم - عليه السلام - وأخرج منه ذريته إلى يوم القيامة أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى وهذا خلاف قول الله تعالى وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى لأن الحديث يخبر أنه أخذ من ظهر آدم والكتاب يخبر أنه أخذ من ظهور بني آدم .

قال أبو محمد : ونحن نقول إن ذلك ليس كما توهموا بل المعنيان متفقان - بحمد الله ومنه - صحيحان ، لأن الكتاب يأتي بجمل يكشفها الحديث واختصار تدل عليه السنة ألا ترى أن الله تعالى حين مسح ظهر آدم - عليه السلام - على ما جاء [ ص: 146 ] في الحديث فأخرج منه ذريته أمثال الذر إلى يوم القيامة .

أن في تلك الذرية الأبناء وأبناء الأبناء وأبناءهم إلى يوم القيامة فإذا أخذ من جميع أولئك العهد وأشهدهم على أنفسهم فقد أخذ من بني آدم جميعا من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم .

ونحو هذا قول الله تعالى في كتابه ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، فجعل قوله للملائكة اسجدوا لآدم بعد " خلقناكم " " وصورناكم " ، وإنما أراد بقوله تعالى " خلقناكم " و " صورناكم " : خلقنا آدم وصورناه ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ، وجاز ذلك لأنه حين خلق آدم خلقنا في صلبه وهيأنا كيف شاء فجعل خلقه لآدم خلقه لنا إذ كنا منه .

ومثل هذا مثل رجل أعطيته من الشاء ذكرا وأنثى ، وقلت له قد وهبت لك شاء كثيرا ، تريد أني وهبت لك بهبتي هذين الاثنين من النتاج شاء كثيرا .

وكان عمر بن عبد العزيز وهب لدكين الراجز ألف درهم فاشترى به دكين عدة من الإبل فرمى الله تعالى في أذنابها بالبركة فنمت وكثرت ، فكان دكين يقول : هذه منائح عمر بن عبد العزيز .

ولم تكن كلها عطاءه وإنما أعطاه الآباء والأمهات فنسبها إليه إذ كانت نتائج ما وهب له ، ومما يشبه هذا قول العباس بن عبد المطلب في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :


من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق

[ ص: 147 ] يريد طبت في ظلال الجنة ، وفي مستودع يعني الموضع الذي استودعه من الجنة ، حيث يخصف الورق أي حيث خصف آدم وحواء عليهما من ورق الجنة ، وإنما أراد أنه كان إذ ذاك طيبا في صلب آدم ثم قال :


ثم هبطت البلاد لا بشر     أنت ولا مضغة ولا علق

، يريد أن آدم هبط البلاد فهبطت في صلبه وأنت إذ ذاك لا بشر ولا مضغة ولا دم ثم قال :


بل نطفة تركب السفين وقد     ألجم نسرا وأهله الغرق

، يريد أنك نطفة في صلب نوح - صلى الله عليه وسلم - حين ركب الفلك ثم قال :


تنقل من صالب إلى رحم     إذا مضى عالم بدا طبق

، يريد أنه ينتقل في الأصلاب والأرحام فجعله طيبا وهابطا للبلاد وراكبا للسفن من قبل أن يخلق وإنما يريد بذلك آباءه الذين اشتملت أصلابهم عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية