[ ص: 176 ] قالوا حديثان متناقضان .  
12 -  
هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - على دين قومه قبل البعثة ؟     .  
قالوا : رويتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  
nindex.php?page=hadith&LINKID=949702قال : ما كفر بالله نبي قط ، وأنه بعث إليه ملكان فاستخرجا من قلبه - وهو صغير - علقة ثم غسلا قلبه ثم رداه إلى مكانه     .  
ثم رويتم ،  
أنه كان على دين قومه أربعين سنة ، وأنه زوج ابنتيه  عتبة بن أبي لهب   nindex.php?page=showalam&ids=9920وأبا العاص بن الربيع ،  وهما كافران     .  
قالوا : وفي هذا تناقض واختلاف وتنقص لرسول الله - صلى الله عليه وسلم .  
قال  
أبو محمد     : ونحن نقول : إنه ليس لأحد فيه بنعمة الله متعلق ولا مقال ، إذا عرف معناه ، لأن العرب جميعا من ولد  
إسماعيل بن إبراهيم      - عليهما السلام - خلا  
اليمن      . ولم يزالوا على بقايا من دين أبيهم  
إبراهيم      - صلى الله عليه وسلم . ومن ذلك حج البيت وزيارته والختان والنكاح وإيقاع الطلاق ، إذا كان ثلاثا ، وللزوج الرجعة في الواحدة والاثنتين ، ودية النفس مائة من الإبل ، والغسل من الجنابة ، واتباع الحكم في المبال في الخنثى ، وتحريم ذوات المحارم بالقرابة والصهر والنسب - وهذه أمور مشهورة عنهم .   
[ ص: 177 ] وكانوا مع ذلك يؤمنون بالملكين الكاتبين قال  
الأعشى  وهو جاهلي :  
فلا تحسبني كافرا لك نعمة  على شاهدي يا شاهد الله فاشهد  
   . يريد : على لساني يا ملك الله فاشهد بما أقول .  
ويؤمن بعضهم بالبعث والحساب ، قال  
زهير بن أبي سلمى ،  وهو جاهلي لم يلحق الإسلام في قصيدته المشهورة التي تعد من السبع :  
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر      ليوم الحساب أو يعجل فينقم  
وكانوا يقولون في البلية - وهي الناقة تعقل عند قبر صاحبها ، فلا تعلف ولا تسقى حتى تموت - : " إن صاحبها يجيء يوم القيامة راكبها ، وإن لم يفعل أولياؤه ذلك بعده ، جاء حافيا راجلا " وقد ذكرها  
أبو زبيد  فقال :  
كالبلايا رءوسها في الولايا      ما نحات السموم حر الخدود  
والولايا : البراذع .  
وكانوا يقورون البرذعة ويدخلونها في عنق تلك الناقة ، فقال  
النابغة     :  
محلتهم ذات الإله ودينهم      قويم فما يرجون غير العواقب  
يريد الجزاء بأعمالهم ومحلتهم  
الشام    [ ص: 178 ] وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على دين قومه ، يراد على ما كانوا عليه من الإيمان بالله ، والعمل بشرائعهم في الختان والغسل والحج والمعرفة بالبعث والقيامة والجزاء ، وكان مع هذا لا يقرب الأوثان ولا يعيبها ، وقال : بغضت إلي ، غير أنه كان لا يعرف فرائض الله تعالى ، والشرائع التي شرعها لعباده على لسانه ، حتى أوحي إليه .  
وكذلك قال الله تعالى :  
ألم يجدك يتيما فآوى  ووجدك ضالا فهدى  يريد ضالا عن تفاصيل الإيمان والإسلام وشرائعه ، فهداك الله - عز وجل - وكذلك قوله تعالى :  
ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان  يريد : ما كنت تدري ما القرآن ولا شرائع الإيمان ، ولم يرد الإيمان الذي هو الإقرار ، لأن آباءه الذين ماتوا على الكفر والشرك كانوا يعرفون الله تعالى ويؤمنون به ، ويحجون له ويتخذون آلهة من دونه يتقربون بها إليه تعالى ، وتقربهم فيما ذكروا منه ، ويتوقون الظلم ، ويحذرون عواقبه ، ويتحالفون على أن لا يبغى على أحد ، ولا يظلم .  
وقال  
عبد المطلب  لملك  
الحبشة ،   حين سأله حاجته فقال : " إبل ذهبت لي " . فعجب منه كيف لم يسأله الانصراف عن البيت ، فقال : " إن لهذا البيت من يمنع منه " أو كما قال .   
[ ص: 179 ] فهؤلاء كانوا يقرون بالله تعالى ، ويؤمنون به ، فكيف لا يكون الطيب الطاهر المطهر يؤمن به قبل الوحي ؟ وهذا لا يخفى على أحد ولا يذهب عليه أن مراد الله تعالى في قوله :  
ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان  أن الإيمان : شرائع الإيمان .  
قال  
أبو محمد     : ومعنى هذا الحديث أنه كان على دين  
إبراهيم   وإسماعيل      - عليهما السلام - وقومه هؤلاء ، لا  
أبو جهل  وغيره من الكفار ، لأن الله تعالى حكى عن  
إبراهيم   فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم  وقال لنوح :  
إنه ليس من أهلك  يعني ابنه لما كان على غير دينه .  
وأما تزويجه ابنتيه كافرين فهذا أيضا من الشرائع التي كان لا يعلمها ، وإنما تقبح الأشياء بالتحريم وتحسن بالإطلاق والتحليل . وليس في تزويجهما كافرين ، قبل أن يحرم الله تعالى عليه إنكاح الكافرين ، وقبل أن ينزل عليه الوحي ، ما يلحق به كفرا بالله تعالى .